بقلم شريف ابراهيم، مدير الشؤون الطبية لدى تاكيدا في الشرق الأوسط
تعاني نسبة كبيرة من سكان العالم العربي من أمراض وراثية نادرة، إذ يزيد عدد المصابين بهذه الأمراض عن 25 مليون[1] مريض. وتشير تقارير المركز العربي للدراسات الجينية إلى احتمالية انتشار بعض تلك الأمراض، مثل فقر الدم المنجلي والثلاسيميا، بشكل واسع[2] في المستقبل القريب في حال الاستمرار في إهمال دراسة هذه الأمراض أو تطوير علاجاتها، خاصةً بعد أن تفاقمت التحديات الجديدة الناجمة عن انتشار كوفيد-19 من هذا الوضع.
وتواجه عملية إيجاد العلاجات المناسبة للأمراض النادرة صعوبات عديدةً بما فيها التشخيص المتأخر وغير الدقيق، مما يؤثر سلباً على صحة المرضى ويضطرهم لاعتماد علاجات أكثر تعقيداً وكلفةً نتيجة التأخر في تلقي العلاج واستخدام الأدوية غير المناسبة في بداية المرض. ومع دخولها عامها الثاني، يعاني هؤلاء المرضى بشكل خاص من التأثيرات السلبية لأزمة كوفيد- 19، نظراً لإعادة تخصيص الأبحاث العلمية والبنى التحتية والموارد الطبية لقطاع الرعاية الصحية للتركيز على الأزمة.
وتتفاقم هذه المشكلة بسبب عدم توفر سبل الرعاية المنظّمة للأمراض النادرة في معظم الحالات، بالإضافة إلى اضطرار المرضى إلى استشارة عدة أخصائيين للحصول على تشخيص دقيق ومتفق عليه، مما يُطيل المدة السابقة لبدء العلاج بشكل كبير مقارنةً بالأمراض الأخرى؛ حيث قد يستغرق الحصول على تشخيص دقيق حتى سبع سنوات، في حين لا تزيد فرص العلاج المبكر في هذه الحالات عن 5%.
وبالإضافة إلى ذلك، أثار تخصيص العديد من المستشفيات والخدمات الطبية الأساسية اليوم لتحمّل أعباء أزمة كوفيد-19، الى زيادة مخاوف العديد من المصابين بأمراض نادرة من ذوي المناعة الضعيفة، و أدى إلى تعطيل أو تأجيل عدة تجارب سريرية عالمية كانت تسعى لإيجاد علاجات للأمراض النادرة. وعلى الرغم من أهمية هذه التجارب السريرية في تحديد سلامة العلاجات التي يتم تطويرها، إلا أنها لم تتضمن مشاركة منطقة الشرق الأوسط في مثل هذه التجارب بشكل واضح؛ وهو أمر لا بد من تغييره، إذ أن هذه الدراسات ضرورية لتطوير علاجات تشمل شرائح المرضى من مختلف المناطق الإقليمية.
تسبب معظم الأمراض النادرة، والتي يصل عددها إلى حوالي سبعة آلاف [4]مرض، شعوراً بالإنهاك، ويؤدي التأخر في الحصول على الرعاية الطبية اللازمة إلى زيادة صعوبة التشخيص والعلاج، تفاقم المخاطر التي قد تؤثر على سلامة المريض وصحته الاجتماعية.
ودعماً لهؤلاء المرضى، ينبغي علينا المثابرة على التوعية بالمخاطر والأعباء الطبية والاقتصادية المحتملة على كافة المستويات، بدءاً من صنّاع السياسات والهيئات الحكومية وانتهاءً بإدارة المشافي والمرضى. ونظراً لعدم توفر احتياجاتهم الطبية، ينبغي تسهيل حصول المصابين بأمراض نادرة على الرعاية الصحية وخدمات الدعم اللازمة لهم، إضافةً إلى توفير سبل العلاج الفعال القائمة على الفحص والفرز وعمليات الإحالة المستهدفة. كما يمكن للمجتمع الطبي اعتماد قنوات الرعاية الصحية عن بعد لمنع انقطاع المرضى عن برامج العلاج التي يخضعون بالفعل لها وتخفيض الحاجة لزيارة المشافي والعيادات وتقليص مخاطر العدوى بكوفيد-19.
وعلى الرغم من الأزمة الصحية الحالية، تعد المعارف التي نكتسبها من خلال مواصلةعلاج ورعاية ذوى الأمراض النادرة في هذه الأوقات الاستثنائية محوراً أساسياً في تحديد النموذج الأكثر فعاليةً علاج تلك الأمراض ورعاية المصابين بها وتقديم العلاج المناسب لهم. ويتوجب على كافة المعنيين بحالات الأمراض النادرة، بمن فيهم أخصائيي الطب الجيني، العمل على تقليص الفترات الزمنية اللازمة لإجراءالأبحاث
وتسريع عملية التشخيص وتنسيق خدمات الرعاية الصحية، إضافةً إلى التدخل السريع وتقديم العلاج للمرضى. كما يتوجب على مقدمي الرعاية الصحية ومرضاهم التعاون معاً لتطوير خبراتهم ومعارفهم المتعلقة بهذه الأمراض لتحقيق الأهداف المرجوة في هذا المجال.
وانطلاقاً من هذا التوجه، يعد حصول المرضى على تدريب افتراضي من قبل الممرضين المختصين خطوةً جديدةً في مكافحة الأمراض النادرة، من خلال زيادة التوعية بالطرق المناسبة لاستخدام الأدوية دون الحاجة لمغادرة المرضى لمنازلهم. ولأننا ندرك مدى حاجة المرضى لمساعدتنا في هذه المرحلة الاستثنائية، سنسعى دائماً إلى توفير الأدوية لهم بأقصى سرعة ممكنة تأكيداً على دعمنا للعلم وانسجاماً مع أهدافنا لتطوير أدوات تشخيصية بالتعاون مع شركائنا.