مرت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في الآونة الأخيرة بمنعطفات شد وجذب لعدة أسباب، لكن يظل البلدان تجمعهما أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لحل مشكلات الماضي والانطلاق ببداية جديدة.
ومن المقرر أن يجتمع الرئيس جو بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 14 الجاري على هامش جولة بايدن الأوروبية. ويقول الباحثان راسل بيرمان، أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد، ود.دانية قليلات الخطيب، المتخصصة في العلاقات العربية ـ الأميركية ورئيسة مركز التعاون وبناء السلام للدراسات بلبنان، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إنه على الرغم من أن العلاقات الثنائية بين البلدين تضررت بشكل كبير بسبب القرارات التي اتخذها الجانبان خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الاجتماع القادم يمثل فرصة لاصلاح بعض الاضرار، وينبغي على الرئيسين ألا يبددا الفرصة.
ولكل جانب أسباب قوية لإعادة بناء هذا التحالف المهم، ولكن كل رئيس يواجه أيضا معارضة سياسية داخلية تدفعه نحو مواجهة مطولة، ما بين المشاعر المعادية لتركيا بين الديموقراطيين التقدميين في الكونغرس، ومعاداة «الأمركة» المنتشرة على نطاق واسع بين الناخبين الأتراك. وكسر هذا الجمود سيتطلب الديبلوماسية والقيادة، والأهم من ذلك، اتخاذ خطوات حقيقية من جانب بايدن وأردوغان على حد سواء، ولكن الأمر يعود في المقام الأول إلى بايدن للتواصل مع أردوغان لاتخاذ الخطوة الأولى والمضي بالعلاقات إلى الأمام بشكل مثمر.
وترتبط الولايات المتحدة مع تركيا كحليفين تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتشتركان في تاريخ طويل من التعاون، ومصالحهما الاستراتيجية متوائمة بشأن النقاط الرئيسية، وخاصة في مواجهة روسيا، التي تعتبر حلف الـ«ناتو» تحديا حيويا بالنسبة لها. ومع ذلك، فإن قوة الحلف ستكون أمرا مستحيلا من دون تعاون حقيقي بين واشنطن وأنقرة.
فتركيا ليست ثاني أكبر جيش في الحلف فحسب، أي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، بل إن حلف الـ«ناتو» نفسه يواجه شكوكا من أعضاء أوروبيين رئيسيين، فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف شمال الأطلسي «ميت سريريا»، كما أن تردد ألمانيا في المساهمة بشكل متناسب في الدفاع الجماعي معروف جيدا.
ويقول الباحثان انه نظرا للرؤية الغامضة للدول الأوروبية الكبرى تجاه الأمن، ينبغي على بايدن أن يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على استقرار تركيا داخل حلف شمال الأطلسي، وإذا اختار أردوغان تلبية احتياجات الرأي العام التركي المناهض للولايات المتحدة ومغادرة الحلف ـ أو طرد الولايات المتحدة من قاعدة إنجرليك الجوية ـ فمن الممكن أن يختفي حلف شمال الأطلسي.
ورغم أن ثمة اتفاقا بين جدول الأعمال التركي والأميركي إلى حد كبير فيما يتعلق بمواجهة موسكو، سواء في البحر الأسود أو سورية أو ليبيا، هناك قائمة طويلة من نقاط الخلاف الأخرى.
وقد انتقدت واشنطن القرار التركي بشراء منظومة الصواريخ الروسية (إس 400).
وعلى نحو مماثل، فإن تصريح بايدن الأخير حول المسؤولية العثمانية عن الإبادة الجماعية الأرمنية قد وضع ضغوطا على صورة الولايات المتحدة في تركيا. وفي الوقت نفسه، يعتقد أردوغان وقطاع كبير من الرأي العام التركي أن الولايات المتحدة توفر الحماية عمدا لفتح الله غولن، الذي ينظر إليه على أنه القوة الكامنة وراء محاولة الانقلاب في عام 2016. وبشكل أعم، تتنازع الولايات المتحدة وتركيا حول مجموعة من القضايا الإقليمية، بما في ذلك النزاعات في شرق البحر المتوسط والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
وبدلا من التعامل مع هذه المشاكل كل على حدة، يجب على بايدن أن يشرع في استراتيجية ديبلوماسية شاملة تستند إلى المناقشات والتنازلات المفيدة للطرفين من أجل استقرار التحالف. وستكون مثل هذه الاستراتيجية متسقة مع رواية إدارة بايدن بأن «أميركا تعود» وإصرارها على مركزية الديبلوماسية.
ويرى الباحثان أن هناك نقاطا خلافية يمكن السعي إلى إيجاد حل لها من أجل تحسين العلاقات بين الجانبين، حيث ان الخلاف بشأن صواريخ «إس 400»، فإنه يحتاج إلى حل سريع. ويتعين على الولايات المتحدة ان تعرض على تركيا صواريخ باتريوت كبديل وأن تعيد تركيا الى برنامج «إف ـ 35». ومع ذلك، ينبغي ربط هذا العرض بالتزام تركيا بعدم السعي للحصول على أسلحة أخرى يمكن أن تعرض حلف شمال الأطلسي للخطر.
كما يتعين على الولايات المتحدة أن تبني على الشراكة التاريخية مع تركيا حيث تتداخل المصالح في البحر الأسود وسورية وليبيا والصومال.
ويقول الباحثان في ختام تقريرهما إنه ليس هناك شيء بسيط بين هذه المشاكل التي تثير الاضطراب في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا. وكل مشكلة منها تتطلب حسن النية والحلول الوسط. ولكن ما لم تبدأ الولايات المتحدة استراتيجية مصالحة واسعة النطاق، ستتفاقم هذه المشاكل وتنفجر في نهاية المطاف. ونظرا للخطر الذي تمثله القطيعة المحتملة بين أنقرة وواشنطن، فإن الأمر ملح، ويتعين على بايدن أن يغتنم الفرصة «لإعادة البناء بشكل أفضل» وإعادة هذه العلاقات الثنائية إلى أساس متين.