في القرى التي تحملت في السابق العبء الأكبر من القتال على جبهات أفغانستان، أدت سيطرة حركة طالبان على البلاد إلى كسر دوامة مستمرة من الغارات الجوية وتبادل إطلاق النار والجنازات.
وفي المناطق النائية والقرى البعيدة عن المدن، حيث لم يصل سوى القليل من المساعدات الدولية التي قدرت بمليارات الدولار، يرى كثيرون أن سيطرة طالبان قد تنهي القتال وأثارت الآمال بانتهاء الفساد.
وبالنسبة لماكي (72 عاما) التي كانت تجلس لتحضير ألياف القطن مع مجموعة من النساء في قريتها النائية داشتان في ولاية بلخ الشمالية فإنها مستعدة «لإعطاء كل شيء لطالبان».
وأضافت «انتهت الحرب ونحن سعيدون مع طالبان».
وتعيش القرية في فقر مدقع، بينما يقوم السكان بتجفيف روث الحيوانات لاستخدامه كوقود.
وتم تزيين المقبرة الرئيسية التي دفن فيها مقاتلون من طالبان، بالأعلام والحلي الملونة.
واحتفل هفجات خان (82 عاما) بما وصفه انتصار طالبان، وقال المسن الذي جلس في منزل أحد الجيران «جميع رجال ونساء هذه القرية أنصار لطالبان، الصغار والكبار».
وبحسب المسن فإن داشتان التي تبعد نحو 30 كيلومترا شمال بلدة بلخ كانت في السابق قرية تعيش فيها أكثر من ستين عائلة.
ولكن فر الكثيرون بسبب القتال والفقر، ولم يبق سوى عدد قليل من العائلات التي اختارت البقاء بين الأسس المتهالكة والأسقف المنهارة والمساكن الفارغة.
وأدى انتصار طالبان والاستسلام الجماعي للقوات الحكومية الأفغانية الى توقف طال انتظاره للمعارك التي خلفت عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين منذ عام 2001.
وبعد الغزو الاميركي للبلاد وإطاحة نظام طالبان في 2001، تم إقامة حكومة ديموقراطية وسمح للنساء مرة اخرى بالعمل والدراسة، وتمت إعادة بناء منظمات المجتمع المدني.
لكن صاحب ذلك مزاعم بالفساد وتزوير الانتخابات بالإضافة إلى عدم فاعلية مؤسسات الدولة، وقتل آلاف من المدنيين أو اصيبوا سنويا في هجمات قادتها طالبان أو غارات جوية للقوات الاميركية، واقتصر التقدم على المدن الكبرى بينما عانت المناطق النائية لسنوات من اشتداد الحرب.
ويعمل محمد ناصر في حقل للقطن يقع على مشارف بلدة بلخ التاريخية ويكسب 200 إلى 300 أفغاني (ما يعادل 2 إلى 3 دولارات) يوميا، ويؤكد أنه لا يدعم أي طرف من الحرب التي استمرت لفترة طويلة من حياته.
ويؤكد الشاب البالغ من العمر (24 عاما) وهو من قرية قريبة «كنت ضد الجانبين لأني رغبت بالسلام» موضحا «لم أرغب بالقتال».
وفي مزرعة اخرى قريبة، تقوم فاريما (26 عاما) كغيرها من عشرات النساء والاطفال بقطف القطن تحت أشعة الشمس.
وخلال الحرب، تجنبت الشابة مغادرة منزلها خوفا من تعرضها للإصابة.
وتقول الشابة لـ «فرانس برس» إنها تقوم بعمل شاق في قطف القطن، مشيرة أنه على الرغم من شعورها بالراحة لانتهاء النزاع إلا أن الحياة لاتزال غير مستقرة ومتعبة.
وأضافت «أي تغيير حدث؟ ما زلنا جائعين ولا يوجد أي وظائف».
كارثة اقتصادية
وتلوح كارثة اقتصادية في الأفق قد تهدد حكم طالبان.
فقد ارتفعت أسعار الأساسيات مثل زيت الطبخ والأرز وصلصة الطماطم بشكل قياسي مع تدهور قيمة العملة الوطنية الأفغاني، وتجميد احتياطات الدولة في الخارج.
وبعدما استولت حركة طالبان على السلطة في البلاد باتت أوضاع ملايين الأفغان حرجة لاسيما بسبب الجفاف الحاد وتداعيات جائحة «كوفيد-19».
وأصبحت أفغانستان موطنا لواحدة من أسوأ الازمات الانسانية في العالم، ومن المتوقع أن يعاني أكثر من نصف الأفغان من «انعدام الامن الغذائي الحاد» هذا الشتاء مع الجفاف.
وفي ولاية سامانغان المجاورة، يعيش 93% من السكان في الريف. يزرع نور صدقات البصل والجزر والبامية والطماطم واليقطين.
وفي الأشهر التي سبقت استيلاء الحركة على السلطة، وجد المزارع نفسه في مرمى النيران اثر قتال عنيف بين القوات الحكومية من الغرب وطالبان من الشرق.
ويقول الأب لتسعة أطفال الذي يعمل على قطعة أرض في قرية تبعد نحو 20 كيلومترا عن أيبك عاصمة الولاية إن السلطات الجديدة قامت بإيقاف الجريمة والفساد.
ولكنه يعاني من تراجع في أرباحه، ويقوم الرجل (28 عاما) مرة كل أسبوع إلى أسبوعين بالتوجه إلى أيبك لبيع مزروعاته في السوق ويأمل في أن يكسب 6000 إلى 7000 أفغاني في كل رحلة، لكنه في المرة الأخيرة، لم يكسب سوى 3 آلاف أفغاني.
ويضيف الرجل الذي يعيش مع 16 فردا من أسرته في كوخ يتألف من غرفة واحدة «حال استمر الوضع هكذا، لا يمكن أن نكون سعيدين مع طالبان» متسائلا «ماذا يمكننا أن نفعل الآن؟ كيف يمكننا الاستمرار؟».
ويأمل في أن تحصل طالبان على اعتراف دولي ما يعني زيادة التجارة مع الدول المجاورة لأفغانستان، موضحا «سنشعر بالرضا إذا اعتنوا بالفقراء، ولكن ليس إن داسوا علينا».