الثقافة المدنية بما تحمله من قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر تعد بمنزلة القاطرة الأساسية لتطوير المجتمعات والنهوض بها التي تقوم على التسامح والتعايش السلمي واحترام الاختلافات، وقبولها بصفتها جزءا أصيلا من تكوين أي المجتمع وضرورة مطلقة.
حين خلق الله الحياة خلق كل شيء جميلا، فقد خلق الجمال في كل شيء ولم يخلق القبح ولا الظلمة، وصناعة الجمال الحقيقي تحتاج إلى خبرة طويلة وعميقة، ووعي لفهم ذواتنا أولا بالنظر في خصوصيتها الثقافية، واستقراء حاجياتها الروحية، ثم استثمار رصيدنا الجمالي الرمزي والمادي الموروث منه والراهن.
يسعى أعداء الجمال والفرح والإبداع إلى زرع العديد من الأفكار الكارهة والمحرضة ضد الفن والأدب والإبداع وجميع الأنماط الإبداعية لخوفها وعدائها الشديد للحرية وكل ما يبهج أو يمنح للحياة قيمة، سعيا لتفريغ العالم من مضمونه وقيمته الجوهرية.
مجتمعات العالم تنشغل بالثقافة والفنون والموسيقى والإبداع والاستمتاع بمباهج الحياة وهم يبدعون ويكتشفون ويساهمون في صنع القوة والحضارة لمجتمعاتهم، وشبابنا إما نشغله بالخلافات السياسة وتدني الخطاب والحوار والخلافات الفقهية وتحية النصارى، ومحاربة الإبداع والجمال ومنع الفرح، وتربية النشء على تشويه كل ما هو جميل، والتساهل مع قبح الخطاب والحوار.
الثقافة والفنون بشتى مجالاتها لغة كونية يفهمها الجميع، قوانين أخلاقية تمنح للكون روحا، وللعقل أجنحة، وتضع بين أيدينا مهربا للخيال وسحرا وفرحا للحياة وكل شيء آخر، فتمنحنا القوة وتلهم الآخرين القيام بأعمال جيدة هم أيضا.
نعاني اليوم حالة من الانغلاق والتراجع الفكري فرضتها عقول ذات نتاج ثقافة متزمتة وأيديولوجية متعصبة لا تقيم وزنا للحياة ومباهجها وزينتها والتي هي عطية الخالق عز وجل.
يبحثون عن الحياة لا ليعشوها، بل ليقتلوها في عيون الآخرين، كارهين للحياة.
للثقافة أهمية بالغة في بناء الإنسان، وتعزيز الهوية، ومساهمة مؤثرة في بناء المجتمع وجودة الحياة من خلال المزج الخلاق بين التراث والحداثة وبين القيم الأصيلة والطموحات المستجدة، بحثا عن إشراقة التميز والإبداع، لنستعيد بعضا من روح كويت السبعينيات والثمانينيات، كويت التنوير والثقافة، الأرجح أننا كنا أقرب إلى الحداثة يومذاك مما نحن عليه اليوم!
انحدرت الثقافة وانتشر التخلف والجهل الفكري والتعصب وغابت العقلية العلمية في ممارسة جمالية الحياة عن العمل الثقافي، فانتشر القبح والجهل وسقطت الأخلاقيات والإنسانيات، واصبحنا نعيش حالة من الازدواجية، ازدواجية التماهي مع مظاهر الحداثة بما فيها الأكثر استهلاكية وزيفا وراحة العيش، واستيراد المظاهر من الخارج، ومحاولة التماهي، ورفض جوهر الحداثة، من حيث كونها رؤية وفكرة ومنهج حياة.
حداثة الآخرين اليوم نجحت لأنها تأسست بالفكر والعلم، فكانت قاعدة لمناهج التعليم والتفكير، قبل أن ينشغل بمظاهرها، لذلك لم تنشأ الحداثة في الفراغ، وإنما بنيت على أسس فكرية وتربوية وفلسفية راسخة، جديرة بأن تصحح أي انحراف محتمل في فكر أفراد المجتمع. نحن بحاجة إلى ثقافة تعيد الاعتبار للحياة والقيمة للإنسان، إسلامنا مع إشاعة البهجة ومظاهر السرور وإسعاد الإنسان ورسولنا رحمة مهداة، وما خيّر إلا اختار الأيسر والأوفق للناس، وقرآننا رفع الحرج والضيق (قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
حياتنا لم تعد تحتمل أوصياء يفرضون وصاياهم على حياتنا وأرواحنا وأفكارنا، فأحداثها المليئة بمواقف صادمة وسيئة تجعل من حق أنفسنا علينا، أن نبحث لها عن بصيص أمل يستعيد بريق الفرح للقلوب، والأصوات التي تنادي بالتصحر وتقذف الآخرين بالاتهام ونزع الإيمان عنهم، أفضل سلاح لدحرهم هو الثقافة، ببعديها الإنساني والحضاري.. لتعيد الاعتبار للحياة والقيمة للإنسان، وتنمي قيم التسامح وتضيء العقل.
إن مجتمعا بلا ثقافة مدنية مجتمع ميت!
فلنمنح أبناء هذا الوطن قليلا من الفرح ولنكن صناع السعادة على أرضنا بدلا من الانغلاق والحجر على أفكاره وثقافته من قبل فئة متأزمة متصحرة المشاعر والفكر.. يستكثرون علينا الجمال والفرح!
* عز الكلام: الخوف في المستقبل ليس من الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، بل الخوف من أمية الأكاديمي الذي وصل إلى درجة عالية من التعليم والثقافة!!
[email protected]
Nesaimallewan