لا شك أن الكلام عن الشيء عادة ما يكون مختلفا عن الواقع، لكننا اليوم أمام حالة من التوافق بين الكلام والواقع، إنها تونس عزيزي القارئ، ليس عليك سوى أن تزورها لتشعر بدفء تلك الروح التي تلف أهلها وتخيم على أجوائها أينما ذهبت، طالما حلمت بزياتها طفلا عندما كنت أسمع فريد الأطرش يغني لتونس الخضراء متسائلا عن واقع هذه المقولة، نعم عزيزي القارئ لقد وجدتها خضراء بما في الكلمة من معنى، خضراء بشوارعها، خضراء بمنازلها، خضراء بقلوب أهلها الطيبين، فسلام للشعب التونسي الذي يفتخر بالكويت ويعتبرها بلدا عربيا أبيا لها مواقف عديدة داعمة للشعوب.
نتذكر معا كيف وقفت الشعوب العربية ترقب ما تؤول إليه الأمور في تونس داعية لأهلها بتجاوز مرحلة ما بعد ثورة الياسمين، لقد حبسنا أنفاسنا لأن ثورة تونس هي الشرارة الأولى التي اقتلعت رؤوس الظلم والاستبداد، وهي الثورة التي حافظت على أرواح شعبها وممتلكاته، واستمرت دون غيرها، حيث حقق أهلها القدر الكافي من التوافق على مصلحة الوطن من خلال حفاظ كرامة الأفراد والعيش الرغد وحقوق الآخرين.
ومع زياراتي المتكررة لتونس كانت الصورة أمامي تزداد وضوحا وإشراقا، فبعد الثورة كانت زيارتي الأولى، وكنت أخشى على تونس من القلاقل والتوتر، لكنني بدأت أتفهم الأمور بشكل أكبر في الزيارة الثانية، وأن التونسيين ليس لديهم أي نية للتراجع عن خطواتهم الفارقة في التاريخ، ولن يتنازلوا أبدا عما حققوه من مكاسب، وعما تنفسوه من حرية، والآن وبعد العديد من الزيارات، أستمتع بأجواء تونس الساحرة، وأرى زهرات الربيع العربي تثمر في سماء الحرية، وتشرق على أرض تونس الغالية.
وفي تونس تكتمل الصورة بهاء بوجود فريق سفارة الكويت وكأن الأمر مقدرا للتوافق، فما أن تدخل باب السفارة حتى تشعر أنك في الكويت تشعر بدفء التعامل المريح، تشعر بالعلاقة المتينة مع كل فرد من أفراد السفارة، الكل يعمل على راحتك ويسعى لخدمتك بصورة مثلى، يريدك أن تكون مرتاحا، يسارع لإنجاز أعمالك، وهذا ليس غريبا لاسيما عندما تلتمس أن سعادة السفير علي الظفيري أخ لكل كويتي يقوم بزيارة تونس، فنعم القائد لفريق سفارتنا ونعم أفراد الفريق، هذا هو الوصف الأمثل بالنسبة لسفيرنا الشاب الحكيم في تونس «أبو أحمد»، فهو ليس سفيرا في حدود السفارة فقط، وإنما هو سفير لكل الكويتيين في أروقة تونس جمعاء، ليمثل نموذجا مشرفا عن الوطن والمواطن والمثقف والديبلوماسي الكويتي، فلله الحمد والشكر في تونس لدينا سفير حليم وفي الكويت لدينا الهاشمي عجيلي سفير تونس الحكيم، فبهما تعلو الأوطان وتزدهر لمصلحة الجميع.
لقد كان الماضي بين تونس والكويت يقدم لنا صورة مثالية للعلاقات العربية، فالعلاقة بين البلدين الشقيقين بدأت مع ما يسمى «ثورة عبد الكريم قاسم»، والدور التاريخي والكبير للزعيم الحبيب بو رقيبة آنذاك، رحمه الله، حيث كلف الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم رحمه الله وزير ماليته وكان حينها، أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، بالسفر لتونس وتلمس ما تحتاجه تكريما لموقفها البطولي، فكان أول تعاون محطة الكهرباء الكويتية في تونس، والتي لاتزال تعمل حتى اليوم، ولا ننسى موقف الاستثمارات الكويتية وانتشال تونس من الإفلاس في سبعينيات القرن الماضي، واليوم يحمل سفيرنا المجتهد مشعل التعاون بين البلدين في إنشاء وتجديد ودعم المدارس والمستشفيات التونسية.
أرجوحة أخيرة:
على الرغم من كل الظروف والعقبات التي تعرضت إليها تونس إلا أنها مازالت تمثل نموذجا تربويا وتعليميا فريدا يحتذى، أقول ذلك متمنيا أن تبادر وزارتا التربية والتعليم العالي في الكويت بإيفاد من يقوم بزيارة تونس ويطلع على نظامها التعليمي ويتبادل مع القائمين عليه التجارب والخبرات، وأنصح بشدة التعامل المباشر مع السيد مالك كشلاف المدير العام للتعاون الدولي بوزارة التعليم العالي لما لديه من قلب كبير أخضر بحب وتقدير واحترام الكويت وأهلها، فشكرا سيد مالك والشكر موصول لكل تونسي.