قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشهر يونيو 2022، كشف أن كبار مسؤولي الفيدرالي يعتقدون أن التضخم الراسخ يمثل «خطرا شديدا» على الاقتصاد الأميركي ويخشون من أن تكون هناك ضرورة ملحة لتطبيق سياسات نقدية أكثر صرامة إذا تجاوز نمو الأسعار توقعاتهم، حيث أكد المسؤولون في الاجتماع ضرورة محاربة التضخم، حتى لو كان ذلك يعني تباطؤ الاقتصاد الذي يبدو بالفعل على حافة الركود.
وأكد صانعو السياسة دعمهم لرفع أسعار الفائدة إلى تلك النقطة التي يتم فيها تقييد النشاط الاقتصادي، مع إمكانية أن تصبح السياسات «أكثر تشددا» إذا استدعت البيانات ذلك.
وصرح محافظو البنوك المركزية أن رفع معدلات الاقتراض القياسية بمقدار 0.75 نقطة مئوية في يونيو (للمرة الأولى منذ عام 1994) كان ضروريا للتحكم في زيادة تكاليف المعيشة التي وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1981.
وقالوا إنهم سيستمرون في القيام بذلك حتى يقترب التضخم من المستوى المستهدف على المدى الطويل البالغ 2%.
وأقروا أيضا بأن تشديد السياسة ستكون له تكلفة، وذكر ملخص الاجتماع أن «المشاركين أدركوا أن ثبات السياسات قد يبطئ وتيرة النمو الاقتصادي لبعض الوقت، لكنهم رأوا أن عودة التضخم إلى مستوى 2% أمر بالغ الأهمية لتحقيق الحد الأقصى من فرص العمل على أساس مستدام».
وكشفت الملاحظات الصادرة عن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة عن القلق الذي ينتشر عبر المراتب العليا في البنك المركزي الأميركي بشأن التضخم، الذي يتحرك بوتيرة سنوية تبلغ 8.6%، وأظهر التقرير أيضا الجهود التي كان المسؤولون على استعداد لبذلها لضمان عدم خروج الأسعار عن نطاق السيطرة.
وسيقرر الاحتياطي الفيدرالي ما إذا كان سيرفع أسعار الفائدة بمقدار 0.50 نقطة مئوية أو 0.75 نقطة مئوية في اجتماعه هذا الشهر، على الرغم من أن العديد من المسؤولين أشاروا إلى دعمهم لرفع سعر الفائدة بمعدلات أعلى وهو الأمر الذي يبدو أن توقعات الأسواق تتوافق معه.
وأعاد محضر الاجتماع تكرار أصداء التعليقات الأخيرة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الذي أكد أن الفيدرالي ليس لديه مجال كبير للمناورة لأنه يحاول كبح جماح التضخم دون التسبب في فقدان للوظائف على نطاق واسع.
وصرح الشهر الماضي بأن الركود الآن «أصبح محتملا» في الولايات المتحدة وسيعتمد إلى حد كبير على عوامل خارجة على سيطرة الاحتياطي الفيدرالي، مشيرا إلى الحرب في أوكرانيا وتدابير الإغلاق المطولة في الصين لاحتواء تفشي فيروس كوفيد- 19.
وكرر باول تلك الرسالة الأسبوع الماضي في جلسة مع محافظي البنوك المركزية الأخرى، عندما حذر من أن الفشل في استعادة استقرار الأسعار سيؤدي إلى نتيجة أسوأ للاقتصاد الأميركي.
ويلقي محضر اجتماع يونيو المزيد من الضوء على سبب القرار المفاجئ الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتسريع وتيرة تشديد السياسة النقدية بشكل كبير، واختياره تجاهل خططه المشار إليها سابقا لرفع سعر الفائدة للمرة الثانية على التوالي بمقدار 0.50 نقطة مئوية.
وجاء القرار عقب نشر تقريرين اقتصاديين، أحدهما يظهر قفزة كبيرة في أسعار المستهلكين خلال شهر مايو والآخر كشف عن ارتفاع توقعات التضخم.
وأعرب المشاركون عن قلقهم من أن التقرير الأول أشار إلى أن الضغوط التضخمية لم تنحسر بعد، و«عزز الرأي القائل بأن التضخم سيكون أكثر ثباتا مما توقعوه سابقا».
كما تضمن اجتماع يونيو تعديل التوقعات والتي أشارت إلى أن المسؤولين توقعوا رفع أسعار الفائدة إلى أقل بقليل من 3.5% بنهاية العام. ومن المتوقع رفع سعر الفائدة مرة أخرى إلى 3.75% العام المقبل قبل خفضها في عام 2024.
كما توقع المسؤولون ارتفاع معدلات البطالة وتراجع النمو خلال تلك الفترة.
تحسن تقرير الوظائف
جاء تقرير الوظائف الذي طال انتظاره يوم الجمعة ليكشف عن أن الطلب المتزايد على العمالة أدى إلى استمرار نمو الوظائف الأميركية، متحدية بذلك توقعات حدوث تباطؤ أكثر حدة والحد من مخاوف الركود الوشيك.
وساهمت المؤشرات الدالة على استمرار قوة سوق العمل في تعزيز قدرة الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية أخرى في وقت لاحق من الشهر الجاري.
وأفاد مكتب إحصاءات العمل بأن الوظائف غير الزراعية زادت بمقدار 372 ألف وظيفة في يونيو، أي أعلى بكثير من توقعات الاقتصاديين بتسجيل 265 ألف وظيفة واقل قليلا عن مستوى 384 ألف وظيفة التي تم توفيرها في مايو.
وساهم نمو سوق الوظائف في يونيو بوتيرة أعلى مما كان متوقعا في تعزيز فرص الاقتصاد لتعويض كل الوظائف التي فقدها خلال الجائحة.
ولم يتغير معدل البطالة وظل مستقرا عند مستوى 3.6% للشهر الرابع على التوالي. وتتعارض تلك البيانات مع وضع اقتصاد على وشك الركود.
وكانت توقعات الاقتصاديين تشير على نطاق واسع إلى تباطؤ وتيرة خلق فرص عمل على أساس شهري نظرا لقوة الانتعاش ولأن جميع الوظائف المفقودة تقريبا خلال الجائحة قد تم تعويضها.
كما كشفت بيانات شهر يونيو أن سوق العمل الأميركية ما زالت النقطة المضيئة لأكبر اقتصاد في العالم على الرغم من تزايد مخاوف الركود، هذا بالإضافة إلى المخاوف من أن المستهلكين الأميركيين بدأوا في تقليص نفقاتهم في ظل تراجع مدخراتهم خلال فترة الجائحة.
وارتفع متوسط الدخل في الساعة بنسبة 0.3% إضافية في مايو بعد تسجيل نموا بنسبة 0.4% في الفترة السابقة، مسجلا بذلك نموا تخطى نسبة 5.1% على أساس سنوي، إلا أن معدل المشاركة في القوى العاملة، الذي يقيس نسبة الأميركيين سواء العاملين أو الباحثين عن عمل، قد تراجع إلى 62.2%، أي أعلى بأكثر من نقطة مئوية واحدة عن مستويات ما قبل الجائحة.
ومع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الآن ما يتوقع أن يكون أكثر حملاته لتشديد السياسة النقدية منذ الثمانينيات، يخشى الاقتصاديون من أن سوق الوظائف في الولايات المتحدة قد تكون معرضة لمخاطر شديدة في ظل إمكانية ارتفاع معدلات البطالة بداية من العام المقبل وحتى عام 2024، ما قد يؤدي لتعرض شعبية الرئيس جو بايدن للمزيد من التراجع.
وصرح مسؤول كبير في البيت الأبيض يوم الخميس أن تباطؤ خلق فرص عمل ليس «مدعاة للقلق»، إلا أنه بالأحرى يعكس الانتقال إلى «وتيرة أكثر استدامة لنمو الوظائف».
التضخم في سويسرا
تسارعت وتيرة التضخم في سويسرا إلى أعلى المستويات المسجلة منذ نحو ثلاثة عقود بعد الارتفاع بنسبة 3.4% في يونيو مقابل 2.9% تقريبا في مايو.
وتجاوز ذلك معدل 2% المستهدف من قبل البنك الوطني السويسري، وأشار رئيس البنك المركزي توماس جوردان إلى تفكير المسؤولين في رفع سعر الفائدة مرة أخرى لمواجهة ضغوط الأسعار. ويأتي هذا التطور بعد أسبوعين فقط من صدمة البنك المركزي السويسري للأسواق برفع سعر الفائدة إلى 0.25%، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 2007.
وتشير توقعات البنك المركزي لشهر يونيو إلى وصول معدل التضخم إلى 2.8% هذا العام، و1.9% في عام 2023 و1.6% في عام 2024. وأثارت الاختناقات المستمرة في سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة كوفيد-19 العديد من الضغوط التضخمية، والتي تسارعت بشكل أكبر بسبب حرب روسيا وأوكرانيا.
التوقعات الاقتصادية العالمية.. متدهورة
قال تقرير الوطني إن محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي صرح يوم الثلاثاء الماضي، بأن التوقعات الاقتصادية العالمية قد «تدهورت بشكل ملحوظ» وحذر من إمكانية حدوث صدمات أخرى في المستقبل.
وألقى بيلي باللوم على الغزو الروسي لأوكرانيا، نظرا لما تسبب به من إضافة المزيد من الضغوط على أسعار السلع الأساسية وارتفاع معدل التضخم.
وتضمن التحذير أيضا تحديث الاستقرار المالي نصف السنوي لبنك إنجلترا، والذي يأتي في الوقت الذي تواجه فيه المملكة المتحدة أعلى معدل تضخم منذ 40 عاما، ما يزيد من مخاوف مواجهة الأسر البريطانية للمزيد من المصاعب لسداد ديونها.
كما أشار بنك إنجلترا إلى الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها الأسواق العالمية وحذر من أن «أسعار الأصول مرتفعة المخاطر تظل عرضة لمزيد من التعديلات الحادة» على خلفية صدمات العرض الإضافية ورفع أسعار الفائدة العالمية بوتيرة أسرع مما كان متوقعا، هذا إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي.
وسجلت معدلات التضخم البريطانية أعلى مستوياتها وصولا إلى 9% في يونيو 2022، فيما يعد أعلى المستويات المسجلة منذ عام 1982. ويتوقع البنك أن الأسوأ لم يأت بعد.
وقد يصل هذا المعدل إلى 11% بنهاية العام الحالي. كما قد يؤدي هذا الوضع إلى مواصلة رفع أسعار الفائدة في محاولة للحد من التضخم. وفي يونيو 2022، رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة من 1% إلى 1.25% فيما يعد أعلى معدل منذ 13 عاما.
الدولار يواصل أداءه القوي
ذكر التقرير أن مخاوف الركود والقضايا الجيوسياسية المتأججة، كانت من أبرز التحديات التي واجهت الأسواق خلال الأسبوع الماضي ما ساهم في ارتفاع الدولار الأميركي وتراجع العملات الرئيسية الأخرى إلى أدنى مستوياتها.
وواصل اليورو اتجاهه الهبوطي وصولا إلى مستويات منخفضة جديدة منذ بداية تداوله للمرة الأولى ببداية عام 2002، إذ خسر نسبة 3.62% من قيمته مقابل الدولار ليصل إلى 1.0070 دولار قبل ان ينجح هامشيا في استعادة بعضا من خسائره لينهي تداولات الأسبوع مغلقا عند مستوى 1.0183 دولار. كما تراجع الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي، إلا أن انخفاضه كان أقل حدة مقارنة باليورو.