الثاني من أغسطس، الذكرى الأليمة، بل الذكريات الأليمة تمر على الخاطر لنستخلص منها الدروس ونستلهم منها العبر، فنحن نحتاج إلى التذكر والتدبر في الأحداث الصعبة من حياتنا أكثر من توقفنا وتدبرنا في لحظات الفرح لنتعلم منها ونتعظ، ومن هنا يجب أن نتوقف كثيرا عند دروس الغزو العراقي الغاشم لا لنبكي على الأطلال فقط، بل لنتعلم ونتدبر وننقل التجربة إلى الأجيال الحالية والقادمة التي لم تعش هذه اللحظات الأليمة، فمثل هذا اليوم قبل أكثر من ثلاثة عقود كانت جحافل التتار تزحف من بغداد إلى الكويت واضعة غشاوة الجهل والهمجية، عابرة على جسور الدم والأخوة المقدسة، مدنسة الروابط والعلاقات والتاريخ، متناسية الأخلاق والأعراف والقواعد الإنسانية، فكان التحدي والصمود الكويتي في وجه العدوان الغاشم، وكانت وحدة الكويت وشعبها خلف راية الأب العظيم الشيخ جابر الأحمد أمير القلوب، الذي أبكت كلماته العالم أجمع، وجعلت وفود العالم تقف احتراما وإجلالا لكلماته العظيمة التي لخصت عشق الكويتيين لتراب هذا الوطن، ورفضهم التنازل عن شبر واحد من تراب هذه الأرض الطيبة الكريمة المقدسة.
لقد تسامى شعبنا الأبيّ فوق الجراح من أجل الروابط الطيبة بيننا وأهمها روابط الدين والعروبة والنسب، فإلى وقت قريب نسمي الكارثة «الغزو الصدامي» لنضع البلسم على خواطر أحبتنا من العراقيين الشرفاء، ولكننا لم نسمع صوت الشرفاء قبل فترة عندما تم التطاول على الكويت ورجالها ونسائها ورموزها من قبل السفلة وأبناء الشوارع والمرتزقة من حثالة بلاد الرافدين الذي جف ماؤها ويبست أرضها وجاع شعبها وتشرد أطفالها على يد الغزاة الحقيقيين لأرض العراق العظيم.
فاسمحوا لنا يا محبينا بأن نقول إنه «غزو عراقي»، فصدام حسين لم يأتنا فردا، وإنما جاء بجحافله ومعداته وجيوشه، واضعا السلاح في وجوهنا وصدورنا، طامعا في خيراتنا وثرواتنا، مستبيحا أعراضنا ودماءنا، فهل كان ليفعل ذلك وحده، إن التاريخ قد يقبل ببعض الرتوش والتجميل على الأحداث والحقائق، لكنه عاجلا أو آجلا يعود ليمحو الزيف ويكشف الحقائق المجردة التي لا تحتمل التزييف والتأويل، نعم إنه كان غزوا عراقيا، فصدام ما كان ليصل إلى هذا «التفرعن» لولا مناصروه ومؤيدوه، الذين استخفهم فأطاعوه ليغرق نفسه والمنطقة كلها في مرحلة يائسة من التبعية.
نقول «الغزو العراقي» لأنه ما زال في العراق وفي بعض الدول العربية من يتغنى بالطاغية، لأننا نحن العرب لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم وإذا فهمنا لا نفعل، ولأننا نعشق الطغاة، ونقدس الجبابرة، ونسير «كالعجول» في مواكب السفاحين، ولا أستثني من كلماتي بعض المثقفين المتشدقين بالطاغية صدام، بل هم أشد ضلالا من الجهلاء.
أيها العراقيون الشرفاء، أنا وغيري الكثير كنا نحاول يوما بعد يوم وعاما بعد عام أن نلتمس العذر لمن شاركوا في هذا الغزو الغاشم كونهم كانوا تحت تأثير الطاغية والخوف من وحشيته، لكننا لم نجد لهم عذرا اليوم لأننا لم نسمع صوتهم دفاعا عن أرضنا وعرضنا، نعم يا عراق أنا وغيري الكثير حاولنا مرارا وتكرارا ألا ننبش الجرح حتى لا تشعر به الأجيال الحالية التي لم تشهد الغزو، كي لا تعود الآلام إلى الذاكرة وإلى القلوب المكلومة على أبنائها وشهدائها وأسراها ومفقوديها.
وأخيراً: أيها العراقيون الشرفاء أين صوتكم؟ أين كلمة الحق؟ أين غيرتكم على العراق وأهل العراق؟ إلى متى والعراق ينزف؟ إلى متى؟ وإلى متى؟
ارحموا العراق الجريح أيها العراقيون، قوموا كجسد واحد (شيعة وسُنة) طهروا بلدكم وكلنا (العرب) معكم. وكل عام والجميع بخير.