وأنت تخوض معركة الحياة عليك أن تحاول كل الوقت أن تكون من «المبعدين»، عليك أن تعمل بعملهم، وتسير بحسب مسارهم، حتى تصيب ما أصابوا، فتنال الدرجات العلا والمنزلة الرفيعة، فأولئك (المبعدون عنها) قد نالوا الرضا فاستحقوا أن يبعدوا عنها، وعن عذابها الشديد، فهو إبعاد غير ذاك الإبعاد البشري الذي لا قصد منه إلا الشر، فقد يبطش الإنسان ويحكم «بالإبعاد» على الغير والطرد من الديار جورا وظلما، فالإنسان له يد تميل عن طريق الحق في أحيان كثيرة.. وكثيرة.
فما أتحدث عنه هو شيء مختلف، وقد يتساءل البعض عن أي «مبعدين» أتحدث، إنني في حقيقة الأمر أتحدث عن المبعدين الذي ذكرهم الله في كتابه العزيز.. فقال سبحانه:
(إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون).
فهذه الآية الكريمة قرأها الإمام في صلاة المغرب وجعلني أغوص بالتفكير فيها، وأرجع إلى التفسير وأهله، وأتحقق من ذاك «الإبعاد» الذي ورد بها، وعلمت بأنه «إبعاد» إلى الخير وليس إبعادا كإبعاد البشر الذي يتخذونه من أجل التعزير والتعذيب وإلحاق الضرر، فهو «الإبعاد» المبارك الذي يقود الى الجنة، فالله سبحانه قد من على أولئك الذين (سبقت لهم) بالإبعاد عن جهنم ولهيبها والفوز بالجنة، فهو يعلم سبحانه بعلمه «الغيبي» أنهم من أهل الفضل وأهل العمل الصالح، فمن عليهم بالجنة وكتب لهم الإبعاد عن النار، فما أجمل هذا «الإبعاد» الذي منّ الله به عليهم، فهو إبعاد يدخل الجنة ويباعد عن النار.
أيها الكرام، أريد أن أنتهز هذه الفرصة أيضا، وألفت أنظاركم إلى جانب آخر، وهو جانب التدبر والتفكر في كتاب الله، فعلينا دائما ونحن نستمع الى كل آية كريمة، أن نتحقق وأن نتدبر في معانيها قدر الإمكان، ونرجع إلى أهل العلم المختصين حتى نقف عند المعنى المراد منها بشكل أوضح وأدق،، فالآيات الكريمة التي أنزلها الخالق سبحانه هي القانون الكامل والتام والذي يعلو كل قانون، والذي لا يلحقه النقص أبدا، فمن تعلق به كان أكثر حكمة وأكثر قربا من الكمال، فنحن مطالبون بالسير إلى الكمال ومداره، طوال تواجدنا في هذه الحياة، نعم أدرك وأعلم أننا لن نبلغ الكمال، ولكن المسير ومجرد المسير نحو الكمال هو أمر مندوب لنا، ولن نبلغ أوجه الكمال إلا من خلال الشرب من المعين الصافي والينبوع الموصوف بالكمال، وهو القرآن الكامل والتام، المنزل من الخالق الكامل سبحانه.
فكل آية تحمل عبرة، وتوجيها، ونصيحة، ودعوة، وترغيبا، وترهيبا، وخيرا وفيرا لا حصر له، فانظروا إلى الآيات الداعية للخير وتمسكوا بها، والآيات الناهية عن الشر وتجنبوا نواهيها، ونسأل الله تمام الفضل والنعمة والتوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد).
hanialnbhan@