يعد الإعلام وسيلة نقل للمعلومات والأخبار والأحداث ومناقشة قضايا المجتمع، وبعد أن أصبح العالم منفتحا تضاعف دور الإعلام في حياتنا نظرا لما يحدثه من تراكمات معرفية من المفاهيم والتصورات والمعتقدات، وأصبحت المؤسسة الإعلامية تشكل أسلوب المجتمع في التخاطب ونقل المعلومات والأخبار ووصف الأحداث، خاصة بعد أن أصبحت المجتمعات كبيرة ومترامية الأطراف، حيث يصعب على الأفراد الإلمام بالقضايا التي تحظى باهتمامهم وتؤرقهم، لاسيما مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العصر الحديث وما نتج عن ذلك من ثورة في التفاعل والتواصل، وظهور الإعلام الرقمي الذي يعد الإعلام الأنسب للتواصل بين الأفراد والمجتمعات في عصرنا الحديث.
ولا شك أن هذه التطورات تركت أثرها على العالم أجمع، ولم تكن منطقتنا العربية بمنأى عن ذلك، وقد بدأت عملية إعادة النظر في دور الإعلام ووظائفه لاسيما مع ما يشهده العالم من انفتاح يجعل من الأفراد عرضة للتأثر والتأثير، وتجعل من الشعوب لقمة سهلة أمام ماكينات وسائل الإعلام الدولية التي تعمل بإمكانيات ضخمة لإحداث تغيير في الهوية الفكرية، وتصعب التفريق بسهولة بين الإعلام الموجه من جهة، وحق الشعوب في الحصول على الأخبار والمعلومات وممارسة حرية الرأي والتعبير من جهة أخرى.
وبرأيي الشخصي بصفتي أكاديميا وخبيرا في مجال الإعلام أؤكد أن هذه التطورات لا يمكن في الوقت الراهن لأي بلد مهما كان حجمه العسكري، السياسي، الاقتصادي أو الثقافي، أن يغفل الدور المحوري الذي تلعبه وسائل الإعلام والاتصال داخل المجتمع أو في تفاعلها مع المجتمعات والدول الأخرى.
وقد ارتبط الإعلام الرقمي بالتطورات التي حدثت في الإنترنت وظهور شبكات اجتماعية ووسائل اتصال ومشاركة للمحتوى والأفكار والتجارب، ما فتح المجال لإمكانية تأثر الأفراد وخاصة الشباب (الوقود المنتظر) الذي يعيش واقعا إعلاميا متغيرا سريعا نتيجة للتطورات المتسارعة بأساليب متعددة، حيث إن وسائل الإعلام الجديد تقوم بتزويد المتلقين بكم كبير وهائل من المعلومات والمعارف المختلفة في مختلف القضايا والموضوعات، وهذه المعلومات قد تكون صحيحة وقد تكون لخدمة اتجاه معين، وهذا ما نبه إليه عدد من الدراسات التي تؤكد تأثير الإعلام الجديد على المجتمع وأفراده تأثيرا سلبيا أو إيجابيا، إذ يمكن أن تكون المعلومات والمعارف المتنوعة التي يعرضها الإعلام الجديد تتعمد تقديم صورة مشوهة تهدف إلى إبراز السلبيات دون الإيجابيات أو العكس، الأمر الذي يستوجب توفير قدر من الوعي لدى الأفراد تمكنهم من التمييز بين ما هو سلبي وما هو إيجابي، خاصة فيما يمتلكه الإعلام الجديد من قوة كبيرة في عملية جذب الأفراد وإحداث التأثير الفكري لديهم.
وقد اكتسب الإعلام الجديد أهميته على حساب الإعلام التقليدي الذي لم يعد قادرا على إشباع رغبات الأفراد أو تحقيق مبتغاهم، ما جعل من الإعلام الجديد أداة هامة لدى البعض لترويج الشائعات والأخبار والمعلومات الزائفة غير الموثوقة والتي يتم تداولها على أنها حقائق ومعلومات صحيحة، وكما سهل للإعلام الجديد الوصول إلى الأفراد واستغلال لعقول الشباب في تمرير وعرض معلومات وأفكار خاطئة لهم، من خلال بث الشائعات التي تؤثر بصورة مباشرة عليهم وتساعد في بناء اتجاهات سلبية خطيرة على الأمن الفكري لديهم.
ومن هنا فإنه عندما يكون للإعلام الجديد دور سلبي، فيقوم بتحقيقه خلال التلاعب بالعقول والسيطرة عليها في ظل وجود منافسة شديدة بين وسائل الإعلام للتأكد من صحة المعلومات أو دقتها، وهو الأمر الذي يجعل الإعلام الجديد أكثر تأثيرا وخطورة على شبابنا، وللحديث بقية.