يعود المخرج ريان جونسون في السلسلة التي أبدع في إخراجها، والجزء الثاني من كون «بينوا بلان» (دانيل كريغ) السينمائي، أكبر وأكثر ثراء وروعة مع مفاجآت مبهرة، وهو بنفس جودة الفيلم الأول «إن لم يكن أفضل».
يشهد «Glass Onion: A Knives Out Mystery» عودة «جونسون» لحل الجرائم، والذي يمزج بين الاستعارات الكلاسيكية والتعليقات العصرية وحس الفكاهة، ويقدم النجم «دانيل كريغ» أداء يمكن القول إنه الأفضل خلال مسيرته المهنية حتى الآن، حيث يتعمق في جعل «بينوا بلان» شخصية مقنعة ومعقدة تنتمي إلى مشاهير المحققين العظماء، وبشكل مشابه، يستحق فيلم «Glass Onion» أن يقارن بالأعمال العظيمة من هذا النوع، حيث يستبدل الأسلوب الهادئ الذي اتسم به الفيلم الأصلي بأسلوب أكثر إضحاكا وغضبا وتعقيدا بالجزء الثاني.
تميل أفضل أعمال الكاتبة أغاثا كريستي للتعليق على القضايا الاجتماعية المعاصرة، وعرض نماذج لأشخاص كانوا بارزين في ذاك الوقت، ويهدف المخرج جونسون إلى استخدام نفس الصيغة مع «Glass Onion: A Knives Out Mystery»، والذي يستهدف التباين الاقتصادي والحرب الطبقية، وفي نفس الوقت يستهدف الأشخاص الأثرياء بشكل مبالغ به لدرجة كوميدية، والذين يتمتعون بقدر كبير من القوة التي نسمع عنها كل يوم.
يقدم «Glass Onion» نماذج شخصيات تضم مرشحة لمجلس الشيوخ (كاثرين هان)، وعارضة الأزياء الجاهلة التي تحولت لمصممة أزياء ولا تستطيع التوقف عن نشر تغريدات عنصرية (كيت هادسون)، وناشط في مجال حقوق الرجال (ديف باتيستا) وعالم يعمل في شركة تكنولوجيا عملاقة (ليزلي أودوم جونيور) والملياردير غريب الأطوار (إدوارد نورتون)، ولدينا أيضا (جانيل موناي) بدور شريكة تجارية سابقة للملياردير، وهي امرأة هادئة وفخورة تعرضت لظلم جسيم.
يتبع «Glass Onion» قصة هذه المجموعة من الأثرياء الحمقى في حبكة مستوحاة من فيلم «The Last of Sheila» الكلاسيكي الشهير، حيث تتم دعوتهم إلى جزيرة خاصة لحضور حفل جريمة قتل غامضة وينتهي الأمر بالوقوع في حالة من الفوضى عند حدوث جريمة قتل حقيقية، ولحسن الحظ هناك ضيف آخر في الحفلة، المحقق المحترم بينوا بلان (دانيل كريغ)، وهو الوحيد القادر على حل القضية.
في حين قدم أول فيلم «Knives Out» بعض التعليقات اللاذعة حول الهجرة والحرب الطبقية، إلا أن «جونسون» يبدو في «Glass Onion» وكأنه غير مقيد ويشعر بالحرية في التعليق حول بعض المواضيع الصعبة حقا.
يركز الفيلم على المدى الذي يسمح به الناس للمال بالسيطرة على حياتهم، وإلى أي مدى نغض النظر عندما يكون الأمر مناسبا لنا، وكيف يمكن أن يدفعنا ذلك إلى خيانة أنفسنا والآخرين، ويستعرض إلى جانب ذلك أن الثروة الضخمة لا تجعل المرء مميزا، أو حتى ذكيا، وقد تبدو مواضيع الفيلم وطريقة معالجة السيناريو لها شعبية للغاية ومأخوذة من «تويتر» في بعض الأحيان، لكنها تنجح، خاصة عندما يحول «جونسون» لحظاته المؤثرة إلى نكات مرحة، حيث يقدم الفيلم هذه المرة الكوميديا بشكل أوسع قليلا، مع نكات أكثر ذات تأثير أكبر.
ولتسليط الضوء على مسألة الثروة والبذخ، يستغل «Glass Onion» أموال الإنتاج بشكل رائع لإحداث أقصى تأثير، حيث قام المخرج بجعل مواقع التصوير فاخرة وباذخة لدرجة تثير الاشمئزاز، مثل جسر جليدي من تصميم بانكسي يرتفع من الماء، وخادم آلي، وبصل زجاجي عملاق، وحبكة كاملة تتضمن الموناليزا.
جمع جونسون طاقم ممثلين رائع لفيلم «Glass Onion» مثلما فعل بالفيلم الأول، حيث تختطف موناي الأضواء بدور «آندي»، في حين تتألق هادسون في كل مشهد تظهر فيه مع توقيتها الكوميدي الممتاز وطريقة تأدية عباراتها، ثم هناك «بلان» نفسه، حيث يتعمق كريغ بالشخصية ومهاراته الضعيفة في لعب «Among Us»، وهوسه ودوافعه، إنه بالتأكيد بطل الفيلم هذه المرة، وهناك شعور بالاستسلام في صوته لأنه يفكر في ما يمكن للمحقق فعله لتحقيق العدالة عندما يستمر النظام بأكمله بتحطيمكم.
تم تصوير «Glass Onion» خلال فترة الحجر الصحي، وتقع أحداثه في تلك الفترة أيضا، حيث يجد طرقا جديدة لتقديم وباء كوفيد إلى القصة، ويستعرض أيا من الشخصيات التزمت بعدم الخروج وأيا منها أقامت حفلات في منازلها، وحتى هناك لقطة مميزة حول «Among Us».
من الواضح أن هذه ليست سوى بداية سلسلة طويلة، ويثبت «Glass Onion» أن نجاح «Knives Out» لم يكن مجرد حظ، ويستمر جونسون في إظهار براعته كمؤلف ومخرج، وطالما يواصل صنع ألغاز «بينوا بلان»، فهناك الكثير من المرح لنترقبه على الشاشة الكبيرة أو شاشة البث.
جدير بالذكر أن «Glass Onion: A Knives Out Mystery» من إنتاج شبكة البث الترفيهي «Netflix» وعرض أول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، وسيتم عرضه قريبا في جميع دور العرض حول العالم.