رغم أهمية الصدق في السياسة، لكنه أصبح عملة نادرة. في علم سلوك المنظمات وعلم النفس الاجتماعي والعلوم الإنسانية بشكل عام يفضل تبني مبدأ المصداقية وقول الحقيقة لعموم السكان على عدم الوضوح. نعم قد يختلف بالتوقيت، والشريحة التي يتم إخبارها، والقدر المكشوف من المعلومات، ولكن لا مبرر للكذب في عموم الحالات.
لا إدارة رشيدة، بدون سياسة صادقة ونزيهة، فما الفرق بين السياسي ورجل الدولة؟
بالطبع هناك سياسيون يضرب فيهم المثال، نسأل الله أن يثبتهم على الحق.
السياسي يفكر في الانتخابات القادمة، ورجل الدولة يفكر في الأجيال القادمة.
السياسي يجعل عدم الوضوح والتلون إستراتيجية، أما رجل الدولة فذو رؤية واضحة وحقيقية.
السياسي ينسى كذباته ويأمل أن تصدقه الجماهير المرة تلو الأخرى، ورجل الدولة حريص على كلماته ومواقفه لأنها تخلد تاريخه وإنجازاته وتحقق رؤيته.
السياسي خلف الأبواب المغلقة، يقوم بالمساومات والتسويات، لإتمام الصفقات، أما بالعلن فيتظاهر بعكس ذلك، وأما رجل الدولة فمواقفه في السر والعلن واحدة.
السياسي هدفه إرضاء الجماهير وإن خالفت مبادئه ومعتقداته وقناعاته، وأما رجل الدولة فهمه تحقيق رفاهية الشعب بما يرضى ضميره وقناعاته مع استشعاره مراقبة ربه عز وجل.
السياسي يلعب في بعض الأحيان على عواطف وجهل الناخبين والمواطنين، وأما رجل الدولة فيراعي عواطف المواطنين ويزيل الجهل عن الناس أجمعين بما يصب في مصلحتهم.
السياسي لا مانع له من أجل مصلحته الضيقة أن يمكّن السفهاء وغير الأكفاء، وأما رجل الدولة فلا يمكّن إلا العقلاء والأمناء.
السياسي متقلب وبوصلته متغيرة على حسب المصلحة الشخصية، وأما رجل الدولة فثابت على الحق ولا يحيد عنه مهما كانت المغريات.
السياسي قد يستخدم الازدواجية السياسية كأداة يراها أحيانا ضرورية لتسهيل الصفقات والمفاوضات والمناورات الديبلوماسية، أما رجل الدولة فينظر إلى المصلحة العامة، والحلول المستدامة، ولا يجامل على حقوق العامة.
السياسي لا يملك برنامجا للمستقبل، وأغلب خطواته ردود أفعال، وأما رجل الدولة فيعمل من خلال خطة مدروسة وموضوعة من أناس متخصصين.
السياسي كثير الكلام والتصريح في وسائل التواصل الاجتماعي وقليل التشريع والمراقبة لتطبيق القانون، أما رجل الدولة فأفعاله تتكلم عنه.
السياسي يتمسك بالمنصب ولا يتركه سواء أجاد أم أخفق، وأما رجل الدولة فيؤدي دوره ويتبنى مقولة لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك.
السياسي ما عنده مانع بأن يضحي بالقيم، وأما رجل الدولة فيضحي من أجل القيم.
في الختام، العاقل واللبيب والناضج والحصيف والمتزن والرشيد والحكيم والبصير وغيرها من المرادفات لهذا المعنى السديد يعلم أين يضع قدمه، ويقضي عمره، قبل أن يدخل قبره.