الحديث عن الفساد بمختلف أشكاله وأنواعه قد يطول ويطول، ولكن المتمعن بأنواع الفساد قد يصل إلى حقيقة ما، وهي أن الفساد الذي يعيش في القلب، ويتحرك بين نبضاته وخلجاته، هو الفساد الأكثر فتكا وضررا، والأسوأ مضمونا وشكلا، لأنه عابر لحدود الشخص، ومتعد وممتد ومعتد!.
لذلك أدعي أن الفساد (الشخصي) كممارسة بعض (الرذائل) التي نسأل الله ألا يبتلينا بها، قد يهون كثيرا أمام الفساد القلبي، ذاك النابض في القلوب، والذي يتحرك بين مشاعر القلوب ويخرج عبر الجوارح إلى العلن!، كأمراض القلوب الفتاكة مثل «الغل والحقد والحسد» وغيرها من المفاسد القلبية البغيضة كارتكاب الظلم والحث عليه!
فالأول -الشخصي- قد يكون فتكه وضرره لا يتعدى الشخص نفسه وله طبيعة محدودة نوعا ما، أما الثاني فضرره وفتكه يتعدى نطاق الشخص وحدوده، فيضر المجتمع بأكمله وطبيعته عابرة للحدود، لذلك - الفساد القلبي- هو أبشع أنواع الفساد، ومن يتصف به هو من أبشع الأشخاص وأخبثهم، وقلبه الطافح بهذه الصفات الدنيئة والخسيسة هو قلب في غاية السوء، وفي غاية البشاعة والوضاعة.
مثال، لو أن شخصا ما يشرب الخمر -أجلكم الله- ولكنه يعامل الناس بالحسنى ولا يظلم ولا يجور ولا يتعدى على الحقوق ولا يأمر بإلحاق الضرر بالغير، وشخص آخر لا يشرب الخمر ولا يرتكب الآثام المماثلة للخمر على مستواه الشخصي، ولكنه يملك قلبا مفعما بالكره، فيكره هذا، ويكره ذاك، ويحيك الدسائس للآخرين بسبب الغل والحسد والبغض القابع في نفسه، ويضر الناس، ويظلم، ويبهت، ويكذب! ويدعو إلى قطع الأرزاق ولقطع سبيل المعروف.
ونتساءل: من هو الأصلح والأقل شرا وضررا بينهما!؟ ومن الذي فساده عابر للحدود الشخصية ومضر للمجتمع بأكمله!؟
فذاك الأول الذي يشرب الخمر بلا شك أنه ارتكب إثما كبيرا بشربه، ولكن هذا الإثم شخصي محدود الضرر نوعا ما، أما الآخر صاحب القلب الحقود والكاره والجائر فقد ارتكب إثما عابرا للحدود ! لأنه ألحق الضرر بالغير، وزرع الشر خارج نطاق جسده ومحيطه، فهو ملتزم على المستوى الشخصي، ولكنه كالعقرب على المستوى العام بسبب قلبه المريض الذي يفتت أركان وكيانات، لذلك أعتقد بأن الشخص المصاب بأمراض القلوب هو أكثر ضررا للمجتمع من الشخص المصاب بابتلاء شخصي محدود الضرر.
وحتى يتضح المعنى دعونا نتساءل: أيهما أفضل وأصلح، شخص ملتزم أخلاقيا ولا يرتكب الآثام الشخصية لكنه يأكل مال اليتيم مثلا! أم شخص منحل أخلاقيا لكنه يؤتي كل ذي حق حقه ولا يتعامل إلا بالعدل والإنصاف مع الغير!. أيهما أشر من الآخر!؟ أترك الإجابة لكم.
والناظر في المجتمعات والمتوقف عند قضاياها الملحة، سوف يرى أن الأشخاص المصابين بأمراض القلب هم وراء كل شر وأذى يطول المجتمع، وسيرى بأنهم وبسبب أمراضهم القلبية قد تسببوا بإلحاق الضرر بأكثر من موقع وكيان وواقع، وتسببوا بتعليق الكثير من الحلول المفيدة للبشر، فصاحب القلب المريض هو شرير للغاية، والأشر منه من أصيب بأمراض القلوب وبالأمراض الشخصية معا! فيكون بهذه الحالة قد جمع الصفتين السيئتين معا، كفانا الله شره.
نسأل الله أن يبعد عن قلوبنا الأمراض بشتى صورها ويرزقنا الاستقامة، ويحفظ عباده في كل بقاع المعمورة.
[email protected]