عندما تُطلق الكيانات الخيرية الكويتية شعارها «الفقراء أولاً» فإنه ليس شعارا ترفعه ترتجي من ورائه التكسب أو المزايدة، أو استجداء عاطفة مؤقتة، بقدر ما هو عقيدة راسخة آمنت بها، وفكرة متأصلة صدقتها ومشت معها مذ كان مد يد العون دافعها مع بدايات العصور الأولى، لتصبح بمرور الزمن كيانا يستظل به كل محروم حين يتطلع بلهف لما يسد به حاجته.
إن ما يثلج الصدور ويدعو للثقة ذاك البعد الإنساني المتحقق، فلا تشرق شمس يوم أو تغرب، إلا وهناك من الخير والعطاء ما تهديه مشاريع الكويت الخيرية لبني الإنسان، خاصة المهمشين منهم الذين عدموا الحيل، وضاقت بهم السبل، والمتأمل في مسيرة العطاء تلك يلحظ دونما مشقة أن هذه الفئة قد استأثرت بنصيب الأسد من خطط التنمية وبرامج الدعم الموجه، فقد كان ولايزال المعتقد منذ علمت أن كفالة الفقراء وإعالتهم، وتوفير السبل والضمانات الكافية لإعاشتهم أوجب الواجبات، وأقرب القربات ومظهر من أنبل مظاهر التكافل الاجتماعي التي نادى بها الإسلام وتبنتها تعاليمه، كونه يوطن مشاعر الرحمة بين الخليقة، ويرقي في النفوس حب البذل والتضحية لأجل الغير خاصة الفقراء والمحتاجين، وتلك برأيي مدعاة حقة لانتظام أمر المجتمع الإنساني، وإشاعة أجواء الطمأنينة بين أفراده.
والواقع الذي لا يرفعه زخرف القول، أن المحتاجين في أمر معاشهم، بحاجة لمن يوفر لهم حياة كريمة، يستظلون بها من الفاقة، ومصادر دائمة يرون فيها الكفاية والأمل المشرق القادر على مغالبة الصعاب وتفاديها، وذلك لا يتحقق إلا في ظل مشاريع طموحة، وتحركات تقفز بأولويات الفقراء وتستوعب رغباتهم، وتسير بها وسط ركام التحديات لرحاب إنسانية أكثر رحابة.
إن ما ميز مشاريع الكويت الخيرية وكتب لها قسطها الوافر من القبول، وأضفى عليها قيمة خالصة في كل بلد من بلدان الاحتياج، تلك التوليفة الفريدة المهمومة بهموم تلك الشرائح، حين انطلقت عن قناعات ترى دورها الأمثل رسم السعادة فوق الوجوه الحزينة البائسة، هي النافذة التي تسري فيها روح الحياة رخية تظهر المجد المخبوء في جوف المستقبل، إن إيماننا عميق وثقتنا كبيرة بأن هذه الفئة المأزومة بمفهومها الإنساني ليست هينة أبدا، ولن تكون إذا ما امتلكت أدوات النهوض والتحفز في حال ما وجدت من يأخذ بيدها لتعبر كبواتها لشطآنها الأكثر تفاؤلا ومنعطفات أجدى نفعا، عندئذ تتحرك ملكاتها المعطلة وتنمو أفكارها المتقزمة لتكبر وتنمو.
ولعل هذا ما سعت إليه كويتنا الحبيبة حين سيرت لهم مشاريع تنموية نشطت فيهم هذه المواهب وساعدتهم على التحول من دور التسول والاستجداء إلى دور الإنتاج والكفاية، وهذا يقطع كل الشكوك التي تهون من قيمة الشعوب الفقيرة، أو تقلل من تأثيرها، إن «الفقراء أولا» مبدأ يجسد عقلية القيادة التي تستشرف المستقبل بعين بصيرة، تعلم علم اليقين أن الحق في الحياة وامتلاك رفاهية العيش مكفول للجميع، وأن دور مؤسسات المجتمع المدني ومنها الكيانات الخيرية وعلى رأسها «النجاة الخيرية» كمثال، لابد وأن تسهم بنصيب وافر، انطلاقا من دورها التاريخي المحقق لطفرة إيجابية ضمن دائرة معادلة بناء الإنسانية واستقرارها.