تتنافس الشركات التكنولوجية بشراسة على إنتاج وتطوير برامج الذكاء الاصطناعي والسيطرة على أكبر عدد من براءات الاختراع والاستحواذ على بعض الشركات التكنولوجية الناشئة لفرض هيمنتها على الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي، ونظرا للتحول الرقمي الذي يشهده العالم، والذي سيغير أسلوب صناعة السلع والخدمات وطريقة تقديمها للمستهلك، من الواضح أن شركات التكنولوجيا ستكون الرابح الأكبر على حساب الكثير من القطاعات التجارية والصناعية الأخرى بسبب احتكارها التقنيات الحديثة التي سيتم التعامل معها بشكل إجباري للحصول على الخدمات والسلع مما سيؤدي إلى إلغاء الكثير من القطاعات والأنشطة التي كانت تعتمد على التعاون الجماعي لإنتاج وتسويق السلع والخدمات التقليدية والملموسة لعدم قدرتها على المنافسة والاستمرار، وبسبب هذا الوضع ستتقلص أعداد الوظائف البشرية عالميا وستنتشر البطالة بشكل أكبر.
وبرأيي ان التعويل على تطوير المهارات البشرية لحل هذه المعضلة لن يكون مجديا لأن القدرات البدنية والذهنية للبشر لا تستطيع أن تنافس قدرات الروبوت والذكاء الاصطناعي من حيث السرعة والدقة وتحمل المشقة وجمع وتخزين البيانات وتحليلها، ولا يمكن أيضا مقارنة التكاليف المادية لهذه البرامج وهذه الأدوات بالرواتب الشهرية التي يحصل عليها العمال والموظفون، وإلا، فما الفائدة من برامج الذكاء الاصطناعي ومن المليارات التي تصرف على تطويره؟ كما أنني أعارض التصور الذي يقول بأن الذكاء الاصطناعي سيساعد الموظفين على إنجاز أعمالهم بشكل أسرع، والسبب أنه سيقلل من وقت العمل، وبالتالي سيكون الراتب أقل لمن يعمل بنظام الساعات، وإذا كان البعض يرى أن الابتكار هو الحل فسؤالي: هل جميع البشر قادرون على الابتكار، وهل الجميع قادر على تحمل المصاريف المادية لتسجيل الأفكار كبراءات اختراع وعمل نموذج صناعي يشرح فوائده وآلية عمله للمستثمرين؟ وهل الجميع قادر على التعاون مع مراكز أبحاث وتطوير عالمية لتحويل الاختراعات والابتكارات لمنتجات وخدمات من خلال ابتكار آليات جديدة وبناء خطوط إنتاج حديثة تؤدي هذا الغرض؟ وهل جميع المشاريع المقدمة سيتم قبولها وستحصل على براءات اختراع أو حقوق ملكية فكرية دون حذف بعض العناصر المذكورة في المشروع المقدم بسبب أسبقية الاستحواذ على هذه العناصر التي من شأنها أن تجعل الابتكار مجديا ماديا للمستثمرين؟ وإذا كنا سنعتمد على المهارات العاطفية والإبداع ظنا منا أنها ستكون محصورة للبشر، فأرجو ألا ننسى أن التكنولوجيا أصبحت الآن قادرة على الرسم والتصميم وكتابة النصوص والتأليف الموسيقي وغيرها من خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي، ويجب أن نعلم أيضا أن أفلام الأنيميشن والرسوم المتحركة قادرة على إيصال الرسائل المطلوبة سواء كانت عاطفية أو إعلانية بتكاليف أقل من بعض الأعمال التي تتطلب أداء بشريا، كما أنها لا تحتاج لبناء مواقع تصوير داخلية وخارجية وباستطاعتها أيضا التأثير على مشاعر الإنسان بشكل كبير، والدليل على ذلك حجم الإيرادات المادية التي تحققها هذه الأعمال.
وإذا كان مليارات البشر سيتجهون لدراسة التخصصات التكنولوجية، فهل باستطاعة الشركات التكنولوجية توظيفهم جميعا؟ كيف والكثير من هذه الشركات فصلت مئات الآلاف من الموظفين مؤخرا بسبب عدم حاجتها لهم، وإذا كان هناك تصور بأن يتم حل هذه المعضلة من خلال عمل نسخ رقمية للبشر لكي تعمل بالنيابة عنهم فسؤالي: من أين ستتم تغذية هذه النسخ بالمعلومات والبيانات؟ وهل ستكون هذه البيانات مجانية وكافية لمنافسة تطبيقات الشركات التكنولوجية التي يتم دعمها بمليارات الدولارات؟
أعزائي القراء، برأيي الشخصي إذا لم يتحرك المجتمع الدولي لمعالجة هذا الخلل وإيجاد مصادر رزق بديلة لشعوب العالم وفتح أسواق وأنشطة جديدة للقطاعات التي ستتضرر من هذا التحول، فمن المحتمل أن نقع في فخ الركود الاقتصادي العالمي الذي سينتج بسبب ضعف القدرة الشرائية وتقلص الأعمال والأنشطة التقليدية، وسيمتد الضرر إلى الشركات التكنولوجية، وربما يتسبب في بطء نموها أو خسارتها بسبب قلة الإعلانات وانخفاض بيع الخدمات ومن ثم يتحول الى كساد.
أخيرا، الحل لهذه المعضلة موجود بالفعل وتم نشره في جريدة «الأنباء» الكويتية بعنوان «مشروع سفينة الأمل الصناعي»، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.