في زياراتي الخيرية الكثيرة التي أجوب فيها العديد من البلدان حول العالم، وخاصة تلك التي يُطلق عليها النامية، والتي تخصص للمباشرة والإشراف على المشاريع الخيرية التي تطلقها جمعية النجاة الخيرية، والوقوف على حجم ما أنجز منها، نستطلع رأي الشركاء وقياس مؤشر أدائهم على الأرض، بغية تكوين رؤية أكثر دقة تستوعب مدى الاحتياج مستقبلا.
ولعل من مظاهر الإبهار أن ترى أثر الكويت الطيب منتشرا في هذه المناطق البائسة، فيزيل عن أهلها ما اكتنف حياتهم من شقاء ورهق جراء الفقر المدقع، ويترك في الأرض ما ينفع الناس وهذا هو الأبقى، وتلك نعمة تستوجب الشكر.
وفي مشاهداتي التي تخللت رحلتي الأخيرة مصاحبا لوفد النجاة الرسمي لليمن الشقيق، العديد من الصور التي يجب التوقف أمامها، وفي هذه المشاهدات خصوصية كونها جاءت مجردة، تتجاوز التقارير الإدارية، والمحررات الرسمية المتفق عليها، بل وتتخطى جدران المكاتب، جاعلة من المعايشة والمعاينة على الأرض دليلها الوحيد، ورائدها الذي لا يخطئ، فكانت صادقة ومعبرة دون تدخل من رقيب يحاول تجميل الواقع أو بهرجته، فقد شملت جولاتنا مدنا وقرى بعيدة، والتي أنبأت ومن الوهلة الأولى عن وضع إنساني متأزم يستحق إعادة النظر، على الرغم من توالي الجهود الإغاثية المتدفقة على هذا القطر الذي يشهد منذ سنوات نزاعا محتدما خلف وراءه أوضاعا إنسانية مزرية، وأحدث قلاقل زادت من قتامة الأفق، وطرحت على الساحة تساؤلات عدة لمصير مئات آلاف المشردين والمهجرين، من أطفال ونساء وشيوخ ومرضى أرغمتهم آلة القتل على الفرار، حتى وإن كان التجويع والمرض والقتل مصيرهم.
إن أرض اليمن خصبة معطاءة، ولادة بالكفاءات المميزة والعقول الماهرة والأيدي المدربة، التي تحتاج للفرصة فتنتج وتطور، فطوابير العاطلين عن العمل تمتد في كل شبر بهؤلاء الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها تحت رحى البطالة، ينتظرون بارقة أمل تأخذ بأيديهم.
وحقيقة الأمر فإن الرهان الآن على الهيئات الخيرية كبير وحتمي، بأن تعطي الضوء الأخضر، فاستشراف المشاريع التنموية التي تستثمر هذه الطاقات والدفع لها لسوق العمل لا يقل أهمية عن الجهود الخيرية الأخرى إن لم يكن أولاها، عبر مشاريع تنموية قادرة على حلحلة الأزمة، وفتح أبواب الرزق أمام هؤلاء وأسرهم، ومن ثم المساهمة في تخفيف الضغوط المتوالية على المجتمع الذي يئن بطبيعة الحال تحت أثقال الأزمة التي حطمت مكوناته، وتركته كلا لا يقدر على شيء، وقديما قالوا: «إذا أعطيت ولدك سمكة أطعمته يوما واحدا، وإذا علمته صيد السمك أطعمته مدى الحياة».
أقول برأي من رأى وعاين، اني أصبحت أشد إيمانا ووثوقا من ذي قبل بما يحدثه العمل الخيري على الأرض، وأدركت على هامش التجربة حجم التحديات، وكم المصاعب التي تواجهه، وتشبعت روحي بالآمال العريضة التي يعقدها المهمشون على هذه الأعمال، وحالة الرضا التي تطفر بها صدور الطوابير الطويلة من أصحاب الحاجة، الذين وجدوا فيها النجدة والإسعاف، مع عدم التغافل عن حالة الاستحسان لدى الجهات الرسمية، التي ترى في المشاريع الخيرية الكويتية ما يمس حاجة الشرائح الفقيرة، ويعزز دورها ويكمل جهودها، وهي تخوض معركتها ضد الفقر والمرض والبطالة، وتسعى لبناء الإنسان العصري المراهن عليه.