في عام 2002 سألت بيل غيتس في اجتماع القمة التنفيذية لمايكروسوفت في باريس عما ستؤول إليه الحقبة التالية، وأجاب بأننا متجهون نحو عصر الذكاء الاصطناعي. وصار بالفعل وأنا أتابع هذه التكنولوجيا بشغف مع ابنتي جمانة أبوغزالة بوصفها متابعة لهذه التقنيات.
واليوم أصبح الجميع يتحدث عن الذكاء الاصطناعي وقدرته على تغيير عالمنا بعدد لا يكاد يحصى من الطرق المختلفة. وأضحى موضوعا حيويا يثير مناقشات متنوعة ومكثفة حول إيجابياته وسلبياته، وواقعه وخياله، وتحيزه وأخلاقياته، فضلا عن تهديداته وإمكاناته.
فمثلا استطاع الناس بفعل الذكاء الاصطناعي وظهور (ChatGPT)، الآن رؤية إمكانات هذه التكنولوجيا وتجربة تطبيقاتها لأول مرة ومعرفة مخاطرها وحدودها.
وإثر تقييم ما يجري في عالم الذكاء الاصطناعي والتشاور مع جمانة وأشخاص آخرين، بدا أنه لا تعريف واضحا ومقبولا عالميا للذكاء الاصطناعي، فالمصطلح يفسر بمعان مختلفة، فعلى سبيل المثال يشير الذكاء الاصطناعي إلى نوع من أنواع النظم في وزارة الخارجية الأميركية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في حين يصفه الكونغرس الأميركي بأنه نظام محوسب، أما شركة OpenAI فقد صنفته على أنه نظام مستقل للغاية.
بينما عرفته شركات كميكروسوفت بأنه مجموعة من القدرات، وتعتبره غوغل والاتحاد الأوروبي مجموعة من التقنيات، ووصفته الصين كتقنية إستراتيجية. وقد غالت شركة ميتا فقدمت له تعريفات مختلفة على مر السنين بقدر يكفي لإرباك (ChatGPT) نفسه لبعض تعريفات ثم يتراجع عنها.
كثرة هذه التعريفات والمفاهيم لمصطلح واحد (الذكاء الاصطناعي) وضبابيتها إنما تدل على مشكلة أساسية في تحديد ماهية هذه التكنولوجيا، فما الذي نتحدث عنه بالضبط عندما نشير إلى الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكننا إجراء مناقشات هادفة حول كيفية تطويره وإدارته واستخدامه وتطبيقه، بالإضافة إلى مزاياه ومخاطره ومستقبله إن كان المصطلح محفوفا بالغموض؟
ولأن مهنتي الأساسية هي المحاسبة، وبوصفي مؤسسا ورئيسا لواحدة من أكبر شركات التدقيق في العالم (TAG.Global) فإن دقة المصطلحات المختلفة ووضوحها شيء مهم للغاية. وقد كتبت جمانة عام 2019 مقالا في «The Startup» عن تقنية البيانات المكثفة واستخراج البيانات فبدأت بقولها: «الجميع يعرف أن خطأ ما يمثل أمامنا لكنهم عاجزون عن الاتفاق وتحديد ماهيته»، وكان بإمكاني أن أبدأ هذا المقال بنفس الطريقة.
الأجدر بنا قبل المضي قدما في مناقشة «الذكاء الاصطناعي» أن نحدد تعريفا له يصفه وصفا دقيقا وهادفا. فكما يقال في الدوائر الإدارية «لا يمكنك إدارة ما لا يمكنك قياسه».
وأود أن أضيف إلى ذلك: «لا يمكنك قياس ما لم تعرفه»، فإذا كنا سنبني قطاعا صحيا ومتنوعا وحيويا يعتمد على الذكاء الاصطناعي، فنحن بحاجة إلى توضيح المصطلحات والتعريفات والتسلسلات الخاصة به لأنها الأساس لبناء نظام بيئي شامل للذكاء الاصطناعي.
إننا بحاجة ماسة إلى تحديد تصنيف الذكاء الاصطناعي ووضع مصطلحات دقيقة له ولكل ما يتصل به أولا للمضي قدما. ولابد أن تدور محادثات حول ماهية الذكاء الاصطناعي وما يجعل من أي نظام نظاما اصطناعيا ذكيا، ولكي تتضح الأزمة التي نمر بها فعليا لاحظ أن عالمنا اليوم مازال يضيق تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه مجموعة من الأدوات الذكية التي تضم آلات ومعدات مثل السيارة ذاتية القيادة، وأجهزة التعرف على الوجه والمحادثة الآلية، ونموذج الأعمال، والروبوت، ومترجم اللغة، وأداة المساعدة في الحد من تغير المناخ، وخبير الشطرنج، ومساعد الكشف المبكر عن الأمراض وغيرها.
وأرى أن الأوان لم يفت بعد لتصحيح الأمور ووضعها في نصابها، وأن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات هادفة بهذا الصدد، لذا أقترح تشكيل لجنة تتألف من خبراء في مختلف المجالات ذات الصلة، بما في ذلك علوم البيانات والقانون والأخلاقيات وعلم الأعصاب والفلسفة وغيرها، يمكن أن يطلق عليها لجنة الذكاء الاصطناعي للمصلحة العامة، يكلف أعضاؤها بإجراء اختبار التحمل وتوحيد التعريفات بحيث يصبح أولئك الذين يعملون في المجال، والذين يستخدمون ويعملون على هذه التقنية، لديهم قواعد واضحة وقدر من الاتساق والمساءلة. وهذا ما يسمى الحوكمة، وهي جزء لا يتجزأ من جميع جوانب حياتنا.
وبصفتي الرئيس السابق للجنة الاستشارية لإدارة الإنترنت في فريق عمل الأمم المتحدة المعني بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستضفت العديد من المنتديات الدولية حول الحوكمة، ونشرت أعمالا عدة عن الموضوع، فأدعو بيل غيتس وآخرين للانضمام إلي في اتخاذ إجراءات لوضع تعريف واضح للذكاء الاصطناعي. وسيسعدني استضافة مثل هذا التجمع في أكاديمية طلال أبوغزالة وفي جامعة طلال أبوغزالة الرقمية، حيث نقوم بأعمال بحث واستكشاف وتدريس جوانب مختلفة من الذكاء الاصطناعي.
[email protected]