لا يختلف اثنان على أن الشباب قوام أي مجتمع وعماد نهضته، إذا ما تم توظيف طاقته التوظيف الجيد، الذي يحتضن فيه فورانه ويستثمر قوته، ويحسن إعادة توجيهه التوجيه الواعي، وهذا التكييف يحتاج في مبتدئه لمحاضن مناسبة رشيدة، قادرة على استيعاب نبتته، وبذل الوسع في رعايتها الرعاية السليمة، التي تستشرف أدوار مهمتها المنتظرة، وتأمل فيها الخير للوطن والأمة والإنسانية جمعاء.
والحق أقول، فإن المتمعن بعين مجردة يستشعر مدى الحاجة لهذا الاستنبات استنباتا خاصا، يأخذ في باله اكتشاف مواهبهم، ويتلمس الأساليب العملية التي تروض هذه المواهب وتمهد لها الطرق الآمنة التي تعود على المجتمع بالفائدة، وقد كان لبعض الكيانات الخيرية وجمعيات النفع العام صور منوعة لمبادرات جزئية جرى تدريبها لمدد متفاوتة، لكنها استطاعت ملء الفراغ حتى وإن كانت وقتية، لكنها على كل حال مظهر مشرف، بحاجة ماسة إلى تعميم، ومظهر التفرد يكمن في نجاح هذه المؤسسات في إفساح المجال لنشوء ما يسمى بالتربية الخيرية، تلك التي يكون قوامها فتح الباب واسعا أمام تدفق الشباب والنشء في صور مجاميع متطوعة، يخصص لها أداء مهام محدودة لا تخرج في أغلبها عن معاونة الفرق لوجستيا، وتلك فرصة سانحة لاقتراب هؤلاء خطوات أكثر قربا من معترك العمل الخيري، والاحتكاك بما يجري، وبالتالي بناء قناعات مفادها تدريبهم على العمل التطوعي والإغاثي في مضمار يحاكي الواقع ويتماس معه.
ولعل إدراك المؤسسات الخيرية لهذه المسألة، وبالتالي خلق فرص حقيقية تستغلها لابد أن يؤخذ على محمل الجد، فإنشاء شعب خاصة تتبع الجمعيات والمبرات الخيرية قوام عملها، احتضان أبنائنا، وتهيئتهم التهيئة الخيرية الصحيحة، عبر ورش ودورات متخصصة، بالاتفاق مع وزارت التربية والشباب والشؤون الاجتماعية، هو الضمان الأكيد لخلق طابور طويل من رجال العمل الخيري المستقبليين، الذين يمكن الدفع بهم لتولي مهام قيادة قاطرة العمل الخيري الكويتي حال استدعت الضرورة، ويكونون أقدر على المحافظة على إرث عريض لمكتسبات الآباء والأجداد ويكونون خير خلف لخير سلف.
إن فلسفة العمل الخيري وسردياته الممنهجة ترتكز على استحضار البدائل، عبر مسايرة فعلية للمتغيرات، تتخذ من مجاراة روح التجديد والتطوير، وصبغ أساليب العمل بصبغة عصرية تواكب الحال، وهي في ذلك أيضا متشوقة لملء زوايا عملها سواء بالكفاءات، أو البرامج، أو الآليات، وهي في هذا تنطلق عن قناعة تنادي لأجل تكييف قطاع الشباب لأداء مهامها وفق خطط تلتزم الطريق.
لقد شهدت الآونة الأخيرة وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي ببروز نماذج منوعة لمجاميع شابة، شاركت بجهود محمودة، استطاعت العمل بروح جماعية طموحة تقديم بعض الأفكار الإنسانية الجريئة، التي تركت بصمتها الواضحة وخاصة في المناطق التي تشهد أزمات إنسانية حرجة، وعبر امكانيات بسيطة، جعلت من الاسقاط الميداني ومعايشة الحدث لحظة بلحظة أدواتها، وقد ساهم ـ ولا شك ـ هذا المجهود الفردي في ضخ دماء جديدة للعمل الخيري، وإنعاشه بمجموعة من الأفكار غير التقليدية، وفرض له القبول والجاهزية حين التحم بأصحاب الحاجة حول العالم ونقل صورة عن معاناتهم، بل وساهم قدر استطاعته في مد يد العون لهم.
وإني اعتقد أن هيئاتنا الخيرية في استطاعتها توجيه هذه المجاميع الشابة وغيرها، ودمجها في استثمار مدروس يعطيها الدعم لتنطلق، لتجني منها الكويت والأمة والإنسانية الكثير.