إنما تحيا الفكرة ويشيع ذكرها ويعظم شأنها بقدر التفاني في خدمتها، وبحجم انعكاسها الطيب في نفوس المتلقي، وبما تثمره من معان إيجابية في آفاق الإنسانية الرحبة، وإني على يقين تام بأن وراء كل فكرة طموحة عظماء كانوا حافزها لأن ترتقي، حين سعوا في إظهار محاسنها بإخلاص وتفان، مؤملين الخير للجميع.
انطلقت قافلة الكويت الخيرية على بركة الله وتأييده منذ الأزل رحلة طويلة شاقة، في معترك وعر، تطرق كل أرض، متسربة لكل نفس، تحيي فيها بعد يأس بوارق الأمل والطمأنينة، لم تكن يوما هذه الفتوحات الخيرية المباركة التي اهتزت لها الأرض وربت عبثا، بل هي نتاج نفوس محسنة آثرت الخير وجدت في بذله، وازعها إسعاد البشرية في أي مكان من أرض الله، لا تعرف للخير حدودا، ولا للعطاء فواصل، بل كان الإحسان ما تدندن حوله، وهي في هذا تصدر عن استشعار حقيقي للدور الرسالي، الذي أوكلته الأمة نيابة عنها، تلك الأمة التي اصطفاها الله ووصفها في كتابه بخير أمة أخرجت للناس.
لقد قيض الله للعمل الخيري الكويتي ثلة من رجاله المخلصين، الذين دأبوا باستمرار على تحمل رسالته، والعناية بأهدافه والتأكيد على عموميته، وبسط إنسانيته، بل وجاهدوا ما وسعهم على نشر معانيه الراشدة في الداخل والخارج، والتي تؤصل لامتداد الخير وتجذره في الشخصية الكويتية التي أشربت حب الخير، حين امتهنت صناعة المعروف، جاعلة من الكويت مركزا للعمل الإنساني الذي تردد أثره ليملأ العالم رحمة وبرا.
لم تتأت رمزية العمل الخيري الكويتي ومنجزاته المتنوعة في كل مجال من فراغ، ولم تكن تحركاته رهن مصادفة، بقدر أصالة انتمائها لهذا المكون الإنساني الوطني بأطيافه المختلفة، منجذبة نحو غاياته الرشيدة، لتصبح بعد أمد لسانه المعبر عن مبادئه النبيلة، أمينة على مسيرته بمنتهى التجرد والإخلاص، محتضنة بنزاهة واقتدار قضايا الفقراء والمحتاجين، ماضية بكل صدق نحو تغيير واقعهم البائس مهما كانت التكلفة، مرسخة في الأخير مضامين لصيقة الصلة بماضي عريق، تستمد منه ما تستشرف به مستقبلها الآمل، إن إنسانية العمل الخيري الكويتي كفلت له أن ينمو ويزدهر، بل ويؤتي ثماره اليانعة، وقد وعت الرموز الخيرية الكويتية في مراحله المختلفة هذه الميزة، بل وأكثر من هذا كان دليلها الذي ارتكزت عليه طوال رحلتها، وجعله صافي المشرب نقي الغرض، دون النظر لأي اعتبارات تنتقص من قدره أو تحدّ من مكانته، وبرأيي فإن هذا سر الخلطة التي حافظ عليها عملنا الخيري وقاوم رجاله، ليستنير بها في مشواره طويل الأجل، والمرصودة في مجملها لإقامة العمران وإحياء الإنسان، والاستثمار في الخير الذي يحيل حياة الفقراء جنة ونعيما.
إن الكويت شعبا ومؤسسات وهي تفتخر اليوم بهذا الإرث الخيري العريض، تقف تطالع في تواضع وافتخار جميع ما تحقق ويتحقق من منجزات يطير ذكرها في العالمين، لا يمكنها أن تتجاهل صناع هذه النهضة وبُناتها من أبنائها البررة ـ ممن يطول المجال لذكرهم ـ الذين كانوا وقود نهضة، وعماد ريادة، فإنها وبكل تأكيد تجدد العهد أمام الله والأمة والإنسانية، أن تحافظ مخلصة على إحياء تاريخ أسلافها المجيد، متمسكة ما أمكنها بمكتسباته، التي أضحت شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.