بيوت الراحة أو الـ rest rooms تمثل في الكثير من دول العالم واحدة من معايير التحضر ومؤشرات التمدن، ومحكا لسمعة المدن وإداراتها المحلية، وتخضع لرقابة ومتابعة، وتدار من قبل شركات محترفة وفرق تنظيف مدربة، وهذا ما جعلها في عواصم غربية تحفة متألقة ومرفقا أنيقا.
للأسف، حماماتنا العمومية تشكو الإهمال والتجاهل وصورتها في وسط مدننا سيئة، وتظهر لوحات مخيبة لآمال الزائر والسائح والمواطن والمقيم، فناقضت مبادئ ديننا الحنيف وأدارت ظهرها لتراثنا المسطور في النظافة والطهارة، والذي أبهر دول الشمال، فأخذ من نمط حياتنا وطوره، وأهملنا نحن تاريخنا المشرق وتأخرنا.
حمامات الأماكن العامة معطلة أو مهملة، تترعرع فيها أنواع كثيرة من البكتيريا الخطيرة، فتنمو وتزدهر، وتستفحل وتنتشر، على أرضياتها المتسخة وأسطحها المبللة وأغطيتها البلاستيكية وقبضات أبوابها الحديدية وأحواض غسل اليدين، وتمثل بؤرة للأمراض المعدية، ناهيك عن أبواب مهترئة وخراطيم مقطعة وحنفيات صدئة يخر منها الماء أو تعانقها الطحالب والأعفان.
وفي كثير من جمعياتنا التعاونية خرجت الحمامات عن دائرة الاهتمام، وارتسمت فيها صور إهمال، فلا عمالة تتابع أو تنظف أو تحمي هذه المرافق، ولا رؤية لإخراجها في حلة بهية، مما ينفر النفوس فيضطر من يسارع لقضاء حاجته إلى الإحجام عن دخول الحمام، ويكون الأمر أكثر إحراجا إن كان مصابا بمرض السكري.
أما في المباركية فنرى سوقا تراثيا يفتقر إلى حمامات حضارية بتصاميم مشرفة، بدلا من مشاهد تلوث الأبصار، وفي المدارس تتكرر الصور المسربة كل عام، وفي الحدائق ومماشي المناطق السكنية ومحطات البنزين تتعرض الحمامات «السايبة» لعبث العابثين، فيستبيحون نظافتها وأبوابها وشبابيكها وخراطيمها، ويهدرون ماءها وصابونها، ويلطخون أبوابها وحيطانها، لتعج هذه الأماكن بالمزيد من الوباء وانتشار الأمراض.
إنني أخاطب من تناط بهم مسؤولية تهيئة الحمامات للعامة، للعمل على تغيير النظرة لها، وذلك من خلال التعاقد مع شركات متخصصة وفرق محترفة تتنافس فيما بينها، وتنتهج معايير في الأناقة والنظافة والتشطيبات الداخلية والاستفادة من تصاميم عالمية تكون أكثر رونقا من التقليدية الحالية، ورهن دخولها برسوم مالية عبر بوابات إلكترونية أو بطاقات ذكية، وإيجاد آليات مناسبة لحمايتها ورعايتها، ومن الجدير بالذكر هنا أن باب الحمام في اليابان يتم إغلاقه تقنيا على من يدخله إلى أن يعيده نظيفا وجاهزا لاستخدامه من الشخص التالي.
لا عيب ولا ضير في أن نبدأ من حيث انتهت إليه الدول المتقدمة، والتي تستخدم في تنظيف الحمامات والعناية بها تقنيات التعقيم الدائم لمقاعد الحمامات وقبضات الأبواب ووضع أجهزة كهربائية للمناديل الورقية وأخرى لتجفيف اليدين وتزويد الصابون السائل، وفحص معطرات الجو ومزيلات الرائحة أولا بأول، ومتابعة جودة الأبواب ونظافتها من الكتابات، وتطهير الحنفيات وأحواض التغسيل، وصيانة أو استبدال خراطيم الماء، ومداومة التعقيم العميق مع نهاية الدوام.
كلمة أخيرة: أدعو التعاونيات إلى الاهتمام بحمامات الجمعيات وكذلك بحمامات المدارس التي في مناطقهم، ولهم أن يستنسخوا ما يشاهدونه في حمامات فنادق الخمس نجوم والمجمعات التجارية الحديثة بالكويت أو خارجها والتي تشع بالبهجة والضياء، وتذهل في الأناقة والنظافة، وتنتشر فيها المعطرات المنعشة في بيئة صحية سليمة.
كما نتطلع إلى جرة قلم لتبني مشروع إنشاء حمامات عمومية في كل محافظة تدار من قبل فرق متخصصة وشركات محترفة، تظهر دولتنا الكريمة بمظهر لائق وراق، كما يليق بها.