تتصدر القضية الفلسطينية ومآسي أهلها اهتمام الكويت، فهي على طاولتها، قيادة وحكومة وشعبا، منذ نشبت هذه الأزمة وتفاقمت الأوجاع، مبكرا سارت الكويت تحشد دعمها السخي، وتوقظ في ذاكرة الأمة الأمل بالخلاص، وتبشر بعودة الحق السليب لأصحابه، لقد كانت هذه الأعمال صدى لضمير الشعب الكويتي النابض. أما على صعيد العمل الخيري، الذي مثلته كيانات الكويت الخيرية، فإنها كانت دوما في قلب المشهد وفي الصميم منه، منذ دبت خطاها على الأرض، تلبي نداء الواجب الذي اقتضته الإخوة وفرضته وحدة المصير، ونادت به الأعراف الإنسانية، التي تنتصر للمظلوم. لقد شبت المؤسسات الخيرية الكويتية على نصرة الحق العربي المغتصب، تهبه من دعمها المادي والمعنوي الكثير، وتنشر بين الناس في كل مناسبة أهمية التمسك بمواصلة التأييد، وبذل ما في الوسع لإخوانهم، وقد سخرت في سبيل تحقيق هذا الهدف الأسمى إمكانياتها، بمعاونة أهل الخير الذين آمنوا بعدالة القضية، وعزموا على مؤازرتها، ومضوا لم يتوانوا في المشاركة بأموالهم ما استطاعوا.
ومما يحمد للعمل الخيري الكويتي حيوية استثماره أذرعه الخيرية، والمساهمة في هذا المضمار، لتكون ومنذ اشتداد الأزمة في طليعة الهيئات المساندة، بما تمرست عليه من حشد وتأييد ومناصرة، فرضها إيمانها المطلق بضرورة توجيه العمل الخيري الوجهة السليمة، بالتخفيف من معاناة أهلنا على امتداد الأراضي العربية المحتلة ومدنها المحاصرة، والوقوف إلى جوارهم في محنتهم ومدهم بكل ما يحتاجون، وقد سطرت حملاتها الإغاثية، وقوافلها صفحات ناصعة البياض، بما حملته من المساعدات السخية في غزة الصامدة، التي تتعرض حاليا لموجة بربرية عاتية، وتعاني هجوما إجراميا برا وبحرا وجوا، نفذه لصوص الأرض والتاريخ خلف وراءه مئات القتلى والجرحى، وآلاف الأسر المشردة التي أجبرتها الهجمة المسعورة، على الفرار بنفسها لتنجو من ويلات القصف المركز على المدنيين.
لقد خلفت هذه الأحداث على غزة كارثة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة، بشهادة المنظمات الحقوقية والإعلامية المستقلة التي ترصد الموقف عن قرب، التي كانت شاهد عيان على ممارسة العدو لسياسة الأرض المحروقة، في الوقت الذي يصب فيه من السماء حمم العدوان على الأرض ليقتل البشر ويهدم الحجر ويحرق الشجر. فقد الأبرياء أبسط مظاهر الأمن والسلام، وامتلأت المستشفيات والطرقات بالضحايا من كل جنس، وسط عجز من الأطقم الطبية عن استيعاب هذه الضربات الموجعة.
لا يمكنني وأنا اكتب لكم في هاته اللحظة، أن أكتم تخوفي الشديد وقلقي من المصير المجهول الذي يكتنف المشهد الإنساني برمته في غزة، بعد تصاعد النداءات العاجلة من الداخل بضرورة توفير المؤن الغذائية، والمحروقات، والأدوات الطبية، ومد مراكز الإيواء بما تحتاجه، التي باتت ملتجأ لآلاف النازحين من مناطق الإبادة، وكما تعرفون هناك تضييق متعمد على إدخال المساعدات بواسطة المعابر التي أصبحت هدفا لآلة القتل.
لقد راقبت المؤسسات الخيرية الكويتية عن كثب ومنذ اللحظات الأولى ما يجري على الأرض، وما يعانيه شعبنا في غزة من استهداف لا يحتمل، فأوصت بإطلاق النفير العام لحملاتها الإغاثية العاجلة، والتي عبرت حصيلة تبرعاتها المبدئية عن فزعة حقيقية لشعبنا الوفي تجاه أمته وإخوانه ومقدساته، فجاءت متناسقة مع الوضع المأساوي الراهن، مرسلة رسائل تطمين بأن في الأمة من يزيل عنها كبوتها، ومعززة دور الكويت المشرف ومؤسساتها الوطنية تجاه ما يتم من انتهاكات إنسانية لابد أن تتوقف.