[email protected]
فلسطين الإسلام ومهبط الرسالات ومركز الحضارات وأرض النبوات، هي جزء لا يتجزأ من جغرافية الأمة الإسلامية، وقطعة لا تنفصل من قلب كل مؤمن، والمسلمون في هذه الأرض المغتصبة إنما هم عضو من جسد واحد إذا ما اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ومنذ غرة القرن الماضي مازال هذا الوطن المكلوم مثخنا بالجراح ومضرجا بدماء الأبرياء، وإخواننا في فلسطين يعيشون الضنك ويسهرون على قصف الطائرات ويستيقظون على أزيز المدافع، ويتطلعون لنصرة إخوانهم من أجزاء ذاك الجسد الواحد.
وعاما إثر عام، أصبحت قضية المسلمين المستضعفين في فلسطين وفي مشارق الأرض ومغاربها آخذة في التراجع لدى الكثيرين، وباتت قضية ثانوية في نفوسهم، وقد تعددت ملامح النصرة بين المسلمين، بين منفق من سعته، وبين مقل يجأر إلى ربه بالدعاء والتضرع لإخوانه، لكننا نرى في الوقت نفسه أشكالا عقيمة لهذه النصرة، وذلك من خلال مظاهرات جماهيرية ووقفات تضامنية ومسيرات مليونية، للتنفيس عن غضب ولإرضاء الضمير، مما غيب هؤلاء عن النصرة الفعلية لإخوانهم بالنفس والمال.
اليوم أصبح نصيب فلسطين الأعظم في جلبة المظاهرات وسجع الهتافات ورفع الرايات، والتي تتبخر وتذهب أدراج الرياح ويبقى الاحتلال جاثما على الصدور موغلا في جرائمه بحق النساء والأطفال والشيوخ، ومحرقا بصواريخه كل المدارس والمستشفيات والمؤسسات، ورغم مئات الألوف من المظاهرات المنددة والمسيرات الغاضبة مازالت الجراحات تفتت كبد الحجر قبل كبد الإنسان، وما زالت المواجع تتعاظم والآهات تتعالى.
مما نراه اليوم في أمة المليار ونصف المليار، أن شعارات نصرة أهلنا المفجوعين قد حادت عن مسارها، فصار الهتاف لنصرة الأقصى بدلا من أن يكون لنصرة المسلمين حول الأقصى، وقد واجه عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عين الكعبة المشرفة قائلا: «ما أعظمك وما أعظم حرمتك وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك».
إن التغافل والتجاهل والتثاقل من البعض عن نصرة المسلمين في فلسطين والشام وفي كل مكان ممن يعانون الموت والجبروت، لهو الخذلان بعينه، إنهم لا يحتاجون إلى مظاهراتنا ولا هتافاتنا ولا تشجيعاتنا، إنهم يحتاجون إلى السند والمعونة والإنفاق والنصرة، والنجدة والإغاثة، فمقاطع الفيديو تصل لكل هاتف في هذا العالم مناشدة الضمائر أن تتحرك لوقف شلالات الدماء وقتل الأبرياء، فأين نصرتهم ولماذا خذلانهم؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم ينصر أخاه في موطن يحب أن ينصر فيه إلا نصره الله في موطن يحب أن ينصر فيه وما من مسلم يخذل أخاه في موطن يحب أن ينصر فيه إلا خذله الله في موطن يحب أن ينصر فيه».
النصرة بالمظاهرات ليست نصرة المسلم للمسلم، فجموع الشهداء وذويهم لا ينتظرون منا شعارات فارغة ولا شموعا مضاءة، بل ينتظرون فزعة ونصرة، كل حسب طاقته، و(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وهم لا يحتاجون إلى دعاء الأغنياء المترفين مثلما يحتاجون إلى نصرتهم بالمال والمعونة، إن البطون الخاوية لا يملؤها شعارات التنديد ولا هتافات الغضب، ولعل دينارا ترسله لنصرة إخوانك وإطعام جائعهم وعلاج جريحهم والمسح على رؤوس أيتامهم والوقوف إلى جانب أراملهم لهو أكثر جدوى وأحب عند الله من مائة مظاهرة تشارك فيها.
كلمة أخيرة: جميلة هي الصورة التي رسمتها المؤسسات الخيرية الحكومية والأهلية، وما قدمته من جسور إغاثة لإخواننا في فلسطين برعاية سامية ومباركة حكومية، لكن كل فرد في المجتمع المسلم الواحد تنوط به مسؤولية النصرة بما يستطيع، فهؤلاء المكلومون أولى بالصدقات والزكوات والتبرعات، فهم مرتهنون إلى الجوع والبطش، والتهجير والتنكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله بالعلي العظيم.