طالعتنا في الأيام الأخيرة الصحف والوسائل الإعلامية والإعلانية عن المبادرة الخيرية الإنسانية الأخيرة لكفالة 1000 يتيم فلسطيني، لتكشف عن أسمى معاني التضامن الإسلامي، والتآزر الإنساني، تجاه الإخوة في المدن الفلسطينية وخاصة غزة الصامدة، ولعل أروع ما في هذه الوجهة الخيرية، أنها ترجمة بصدق لمشاعر المحسنين من أهل الكويت، الذين استفزهم - مؤخرا - العدوان البربري الغاشم، الذي استهدف أهلنا الآمنين، فسارعوا ملبين نداء الواجب، لتبلغ حصيلة التبرعات أعلى نسبها في أوقات قياسية تكفي إعالتهم لسنة كاملة.
وما يحمد لهذه الحملة أنها أفرزت لنا باقتدار صورة جديدة من صور الدعم الذي دأب شعبنا الأصيل على تقديمه للأشقاء في محنتهم، وحلقة موصولة لمسلسل انعاش الذاكرة بالقضية الإسلامية والعربية الأم، التي استحوذت منذ اندلاعها على اهتمام الكويت شعبا وحكومة وقيادة، ودارت معها تحشد وتؤيد في عزم واستماتة، مستندة إلى عدالة القضية التي لا تسقط بالتقادم، ولشرف المقاومة واستبسالها، وواجب النصرة..
لقد وثق أهل الكويت بأهمية الوقوف إلى جوار هؤلاء المستضعفين، وتسهيل كافة أوجه المساعدة شدا لأزرهم، وعونا لهم على مواصلة التصدي للممارسات الوحشية الجائرة، التي يقدم عليها المحتل.
لاتزال أيادي الكويت مبسوطة بالعطاء، ولاتزال مؤسساتها الخيرية قادرة على حشد الضمائر الحية من أهل الخير المؤمنة بأنه لا بديل عن الوقوف مع أبناء الأمة الذين تحصد آلة القتل أرواحهم باستهانة، ليلطخ وجه الاحتلال عاره، الذي لا ينظفه الماء، ولا يظهره التراب.
لقد كانت مبادرة كفالة أيتام غزة وفلسطين إعلانا صريحا، اطلقته النجاة الخيرية، تضمد به الجراح الغائرة لأبناء الشهداء، وتواسي من خلاله ضحايا الفاجعة التي لم يشهد مثيلها عدوانا وظلما.
إن المجازر اليومية حتى لحظتنا هذه، تكشف حجم التوحش، وتبين قسوة المصير المجهول الذي يواجهه أهل فلسطين منفردين، ففي غزة الصامدة تنتحب الطفولة، تلملم أشلاءها المبعثرة تحت ضربات الغدر واليتم والاستباحة، هناك حيث خيم الرعب والخوف والتدمير، بعد أن أصبحوا هدفا لعدو لا يعرف القيم، ولا يعترف بالأعراف، ولا المواثيق، ولا يصون للبراءة حرمة، فمع كل غارة يتساقط شهداء فلسطين كالطير الجريح تحت سنابك الكره والجبروت، تتضاعف على إثره معدلات اليتم، وتفقد الأسر العائل والسند.
يوما بعد يوم يعطي العمل الخيري الكويتي الدرس تلو الدرس، في الاصطفاف إلى جانب هموم أمته وقضاياها، في انحياز صريح لحقها المشروع، ومترجما لمشاعر الصادقين الذين التفوا حوله، وساندوه على المضي بإصرار في طريقه المقدس، شعارهم الواحد «النصرة لفلسطين»، وحتما ستجيء من بعدهم أجيال تقول في افتخار: لقد كانوا على مستوى المسؤولية، وكانوا أوفياء لأماناتهم..