لا ينازعني أحد في أن السوشيال ميديا باتت اليوم سيدة المشهد في مجتمعات العالم قاطبة، تتصدر منصاتها العالم الافتراضي، بعد أن فعلت ما يشبه السحر وقلبت نظام الحياة التقليدية رأسا على عقب، وخلقت هوة شاسعة بين الواقع الملموس للناس والفضاء الإلكتروني الشاسع الذي يسبحون فيه.
فوسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، وإن ألف مقالة بل أطروحة دكتوراه عنها لن تلملم البعثرة التي أحدثتها في المجتمعات المتحضرة والمتخلفة، والمسلمة وغير المسلمة، بعد أن أعدمت المشاعر وحولتها لمواد إعلامية مكتوبة أو مرئية لا تعبر عن المكنون الحقيقي للداخل البشري، بل أصبحنا نرى عوالم جديدة ومتاهات غريبة عجيبة من التزييف والتزلف والتصنع والتقنع والتفاهات والسطحيات من قبل بشر انتكسوا على أخلاقهم وانقلبوا على قيمهم.
ما أرغب في تقديمه لقرائي الكرام في هذه السطور هو بعض الهفوات الشرعية والأخلاقية التي يقع بها بعض أبناء مجتمعاتنا المسلمة خلال استخدامهم منصات التواصل، حيث بات مألوفا لنا أن نرى مواد إعلامية يناقض بعضها بعضا، أو أنها تبعث على الملل والسآمة، أو تكون بتراء من الخير وفارغة من النفع، ما يجعلنا اليوم بأمس الحاجة إلى أن يؤسس لما قد يصطلح عليه: أدبيات وسائل التواصل، وأن يتم التقعيد لها من قبل متخصصين وعلماء ومن ثم متابعة تطبيقها من قبل المدارس والأسر والمربين.
فمن مشاهداتنا التي تبعث على التذمر أن يصلك مقطع فيديو مؤثر أو متضمن لمعلومات مهمة لأحد الدعاة أو الأطباء أو السياسيين، ثم يقوم ناشر هذا الفيديو بدمج فيديو شخصي له بجانب هذا الداعية أو الطبيب أو السياسي، ونراه يومئ بحركات وتلميحات مصاحبة لكلام صاحب المقطع مثل: اسمعوا يا ناس، وشوفوا يا بشر، مع أن كل كلمة في المقطع واضحة للجميع، وبالتالي لم يضف هذا المعلق المتطفل في المقطع إلا مغثة الآخرين والبحث عن الشهرة.
ومن الهفوات الشرعية تداول مقاطع وعظية أو آيات قرآنية مصحوبة بخلفيات موسيقية تتداخل مع المحتوى الديني وتتنافى مع تعظيم الآيات، أو نشر فيديوهات لما يحدث لإخواننا في غزة مع موسيقى حزينة تخرق هيبة المشاهد الدموية التي تنشر، وقد أفتى أهل العلم بتحريم نشر وتداول المقاطع إذا ما اقترنت بالمعازف والموسيقى.
هناك من ينشرون صور أطفالهم على بروفايلات الواتسات وحالاته، ليراها الأقارب والغرباء، وإذا ما أصيب طفل بعين حارة حسودة التجأ أبوه وأمه يطلبان الدعاء لطفلهما المصاب أو طفلتهما المبتلاة. ألستم أنتم من فرطتم بفلذات أكبادكم؟ ألم تقرؤوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «العين حق»؟.
كثيرا ما تختنق هواتفنا بصور صباح الخير ومسائه، أو بمواعظ مكتوبة، ثم يتم تعديلها بكتابة اليوم والتاريخ عليها، فيقال: هذا دعاء يوم الثلاثاء مثلا، ثم لا تصلح للتداول إلا في ذلك اليوم والتاريخ، أو أن يقوم الناشر بتشويهها ووضع حسابه التويتري أو الانستغرامي عليها بشكل بارز، فهل نحن نبحث عن الأجر في ذلك أم ننشد الشهرة والمتابعة من الآخرين؟
كلمة أخيرة: نعم، ليس ثمة قيود على ما نرسله للآخرين في الواتساب ووسائل التواصل، ولا جمارك على ما ننشره فيها من التعليم والتجهيل، والتنوير والتضليل، لكن هناك حدودا شرعية وقــيما أخلاقية يفترض أن تتحكم فيما ننشره ونرسله، وإن كنت ترنو من مواقع التواصل أبوابا عظيمة من الخير، فانشر الخير وابتغ وجه الله واجعل ذلك خبيئة لك يوم القيامة فهو أعظم من الشهرة ومن ملايين المتابعين. والله الموفق.
[email protected]