في العاشر من ديسمبر تحيي الجمعية العامة للأمم المتحدة ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، يحتفل العالم المتحضر على أصوات الانفجارات، وأزيز الطائرات، ورشقات القنابل والمدافع، وصراخ الأطفال وبكاء النساء، وأنين الجرحى، وتأوه الجوعى، وسوف يعطي احتفالهم بهجة أكثر ويضفي عليه شيئا من المرح والتسلية، مناظر الأشلاء المبعثرة ولون الدماء القانية المنسكبة في كل مكان رخيصة سهلة، تلطخ وجه العالم الصامت بالعار، يا له من احتفال مبهر يليق بالذكرى، يليق بالإنسانية وهي تكيل بمكاييل مجردة من أبسط حقوق الإنسان.
لقد صان الإسلام كرامة الإنسان وضمن حقوقه، فأتاح له ما يؤهله لأن يحيا كريما، ولفظ الإنسان هنا جامع لكل إنسان بلا تمييز أو تحيز أو تصنيف، فكان الحق في الحياة الكريمة دعوة صريحة كشفت عنها النصوص الشرعية، وكفلها الشارع الحكيم الذي لم يحصر الخير والإحسان في فئة دونما سواها، بل كان إسعاد الآخر، وتفقد أحواله، والسعي في مصلحته من أهم الملامح القيمية والحضارية التي سادت المجتمع الإسلامي وتمتع بها جميع رعاياه، وتلك أجل الفضائل التي اتخذها شعارا منذ أشرقت شمس الدعوة المحمدية في مجتمع المدينة الفاضل بعد الهجرة النبوية، وبداية تكوين الدولة المسلمة التي ستقود العالم نحو شواطئ الفضائل والقيم، لتنجو بها بعيدا عن أمواج العصبية الكريهة.
إن يد الخير المسلمة التي تحنو عاطفتها، فتشمل في تلطف الأبيض والاسمر والأحمر، في خليط إنساني متجانس، لا فروق فيه ولا حدود، هي الحاضنة الأم الأولى التي استمدت من معينها الصافي، الكيانات الأممية، والمنظمات الإنسانية العالمية قوائم نهضتها، فجعلت تنشئ الخطط، وعكفت تطلق المبادرات لإنقاذ العالم الإنساني من كوارثه على هدى وبصيرة، من ذاك الاستاذ الأول الذي نشر الخير، وعمم المعروف في الأرض وضرب لكل إنسان سهما من الحقوق بلا انتقاص.
ذاقت الإنسانية قرونا طوال مرارة العنصرية التي فرقت بين الألوان، ووضعت الحواجز والمتاريس المفرقة بين الحقوق، والقائمة على أساس اللون والجنس والدين واللغة، ضاربة بآدمية الإنسان وحقوقه عرض الحائط، فلم تعبأ بمواثيق الأخوة، ولا عهود التعايش المشترك، ولا وحدة المصير الواحد، في الوقت الذي قدمت فيه الحضارة الإسلامية النموذج الحي، في احتواء الآخر وقبوله، وإنشاء أرضية قيمية ينال فيها الفرد حظه من الدنيا بلا دونية، ترعاه الدولة، ويحميه المجتمع، ويصون حقوقه القانون والعرف، ويجد بين إخوانه في الوطن مستقبلا آمنا لا تحييد فيه ولا تهميش.
إن ما كتب للعمل الخيري الكويتي النجاح ورزقه القبول، ووهبه عناصر التدفق والحيوية الكافية، كونه نابعا عن عقيدة محبة للبذل، ومقدمة في سعة على العطاء ومنح الغير حقوقه بلا حدود، وهذه العقيدة ولا شك لها مستند أخلاقي، يرى في معاونة الإنسان أخاه الإنسان وقت حاجته، وعند اشتداد أزمته من أوجب الواجبات التي تصنع بدورها بيئة متوازنة، يسودها الوئام، ويعشش فيها السلام، وضمانة أكيدة لأن تزدهر الأرض وتعمر فيها، بل ويطمئن الفرد فيها بعد أن أمن غيلة الأيام، وقسوة الحياة، ولقد كانت الكويت أحرص على أن ينال الإنسان حقه من العيش الآمن، أن يكون للفقراء وجودهم بين الأغنياء، فعملت على نشر المشاريع الخيرية والإنمائية المميزة، التي أخذت بيد البيئات الفقيرة في العالم الثالث وسارت بها خطوات واثقة، كي تنهض لتأخذ حقها، وتنال فرصتها، فاندفعت الجمعيات الخيرية الكويتية على بركة الله، تبشر بهذه الحقوق وتنادي بها صريحة، وتغرس شجرتها المثمرة في كل حقل من أرض الله الواسعة، ليستظل بها كل محروم، ويتفيأ ظلالها المضطر، ويتقوى بها الضعيف.
ومن تحت عباءة الواجب المجتمعي والرحم الإنساني العام، خرجت الجمعيات الخيرية بجملة مشاريعها الخيرية المنوعة، تنقب الأرض بحثا عن منشأ العلة فتداويها، لا يتخاذل إيمانها أبدا عن إحياء روح الخير في الأرض، وكفالة أصحاب الحاجة ومنح الإنسان حقه من الكرامة، وتلك روح سامية ما أحوج العالم إليها.