انفرط أخيرا عقد عام مضى، وها نحن نقف معكم على أعتاب عام جديد، جديد في أحلامنا، في تطلعاتنا، في أمانينا، حتى في أزماتنا المترعة بالألم والمصير المجهول، نطالع الأفق المرتسم نبحث لنا عن بارقة أمل، عن مخرج، نلملم أوراق الأمس ونطوي صفحاته بحلوها ومرها، عام جديد يهل ولايزال جسد الإنسانية مثخن بالجراح، ينزف الأسى، لاتزال ملايين البطون يقرصها الجوع، يقتلها العطش، عارية تنتظر الدفء، لاتزال الملايين تسلك ممرات التيه ناجية بنفسها من الهلاك، لاتزال آلة القتل المجنونة تحصد الآمنين، تسفك الدماء دون تورع، ورغم ذلك فنحن لا نفقد التفاؤل بأن نجد العوض في عامنا الجديد، حتى وإن كنا على وعي بأن الأماني وحدها لا تصنع حياة كريمة، ما لم يشفع لها حظ من كد وعمل وعزيمة، وما لم تصادفها نفوس شريفة تحمل الخير، وأجيال واعية تعرف مواضع أقدامها من المستقبل.
حقيقة الأمر، يعتلي البحث عن الغد في مبادرات العمل الخيري الإنساني الكويتي مكانا مرموقا، وذلك بفضل كياناته التي أدركت أن السبيل الآمن لرؤية مستقبلية خيرية واضحة غير مشوشة، تبرز منها روح التطوير والابتكار، هــــو التفنن في صوغ أبجديات فاعلة، والاندفاع في يقظة نحو مواكبة كل ما هو جديد ومجدٍ بمنهجية تعالج مواطن الضعف، وتستثمر مواطن القوة، تحافظ على مستواها وتدرك مواضع أقدامه في عالم متغير، ولعل في رؤية الغد ما يستفز البعض في التحرك لاستحداث روح تحيي الماضي فتستنير بأصالته، وتستلهم من الحاضر ما ينمي المستقبل وينهض به.
كان العمل الخيري الكويتي طوال عهده قوة ضاربة، وعقيدة راسخة، يتطلع في عنفوان للرقي، واضح الرؤية، محدد الدلالة، ثابت العزم، مستلهم ما يميزه، ومكمن الإلهام نظرته بعيدة المدى التي تجمع في خليط فريد بين أماني الخير، والسير على أرض الواقع، تلك النظرة التي تستدعي المستقبل، وتشــــتبك معه في تصميم، وهــــذه المنهجية أكثر اتساقا مع الــــذات، ومــــع ما يجري حولها من سيلان الحياة وصيرورتها تتخذ كياناته وضعية استعداد تلائم مهامها، وتبث في كوادرها الأمل الذي يدفعهم للمضي لصنع واقع إنساني جميل، إذن فكياناتنا الخيرية تسعى لإصلاح الواقع بروح المستقبل، غير مكتفية بإنتاج الفرضيات الفارغة، التي تحول العمل لمجرد أحلام، تتوقف عـــند الأماني المتملصة من الواقع.
واستشراف المستقبل البوصلة التي تحدد لفكر الاستدامة طريقه، وترشده لغايته تتكشف فيه روحها ومشاربها، وهذا المنحى مؤتاه قيادتها التي أرست ملامح هذا الكيان، وأقسمت على البر به، لترى أن ما تقوم لأجله ينفي الفقر عن المجتمع، وإيجاد مسوغات خيرية واقعية، ومع تعاقب الأيام ووقوع العالم تحت وطأة العصرنة، ألقت مشاريع الكويت ـ كنموذج ـ عصاها في العديد من الدول الفقيرة، تؤدي خدماتها الإنسانية دون تمييز، حاملة روحا صادرة عن عقيدة منحازة للمحتاجين الذين ضاقت بهم أسباب الحياة، مع استنادها إلى قاعدة خيرية شعبية عريضة، ترى في مؤازرة أهل الحاجة ملمحا إنسانيا، وقيادة تسعى لبث السلام، وزرع التآخي في الأرض، كانت هذه المشاريع في بروزها الإنساني ومشهدها النقي، تحوي فكرة تسهيل إعاشة دائمة غير مؤقتة، تحقق الاكتفاء، وتسد العوز، وتبسط سياج تنموي متضافر يدوم أثره، وتلك العقيدة تنظر للغد نظرة جادة، تمنح من حولها مزيد الثقة والاطمئنان، فإذا اتفقنا على أن الإسلام دين الفطرة، فيجب أن نعلم جيدا أن فعل الخير بهذا المفهوم من صميم الإسلام، بل وذروة سنامه، وفيه عمارة للأرض، وإحياء لشعائر الرحمة، ونشر التكافل بين البشرية، وإفشاء الأمن والسلام بين الناس، وبهذه القيم يحق لنا استقبال عامنا الجديد بكل حفاوة، فأهلا به وسهلا.