- 4.5 مليارات دولار الإنفاق السنوي للكويت لتغطية وتأمين احتياجاتها من الأغذية المستوردة
- التكنولوجيا الزراعية حلّ رئيسي للتغلب على التحديات المناخية.. وقد ترفع الإنتاج المحلي إلى 300%
في ظل عالم يشهد تحولات غير مسبوقة في الظروف المناخية والبيئية، وتقلبات على الساحة السياسية والاقتصادية والأوضاع الصحية، أصبحت قضية الأمن الغذائي محورا أساسيا للنقاش لدى العديد من الدول، لاسيما الكويت التي تواجه تحديات كبيرة بتأمين احتياجاتها الغذائية، حيث تلبي احتياجاتها الرئيسية من الغذاء بالاعتماد على الاستيراد بما يزيد على 90% سنويا.
ومع وجود التحديات العالمية، من تضخم الأسعار واضطرابات سلاسل التوريد، يبدو أن الوقت حان لإعادة التفكير برسم استراتيجية كويتية تضمن استدامة الإنتاج وتعزز إمدادات الغذاء طيلة العام، وتفتح من خلالها أبواب الابتكار والمنافسة، والتعاون بين القطاعين، في ظل إصلاحات سياسية وتشريعية، والاستثمار بالكوادر الوطنية، لتحقيق رؤية «الكويت 2035» الطموحة.
وفي هذا السياق، تنشر «الأنباء» دراسة خاصة أعدها الخبير في الأمن الغذائي والسياسات الزراعية د.مشاري علي المحمود، الذي يتمتع بخبرة تزيد على 25 عاما في تطوير استراتيجيات مستدامة للقطاع العام والخاص، بالإضافة إلى عمله على تطوير مشاريع متعلقة بالأمن الغذائي محليا ودوليا.
وتشير الدراسة إلى أن قضية الأمن الغذائي تتمتع بمكانة عالمية اليوم، حيث لا تقتصر على كونها مجرد شعار يجسد أهم محور دولي لمحاربة الجوع والقضاء على الفقر، بل للأمن الغذائي ضرورة حتمية ترتبط باستقرار الدول وكفالة سيادتها واستمراها باستقلالية.
وكون الكويت تتمتع بموقع اقتصادي مميز يلعب دورا رئيسيا ومهما بربط الشرق بالغرب يسمح لها بالوصول إلى مراكز الأسواق العالمية بسهولة، فإن الاعتماد على ما تتمتع به من مركز مهم لا يغني عن ضرورة إيجاد حلول كفيلة بتأمين غذائها محليا لتفادي أي متغيرات مستقبلية أو مخاطر قد تطرأ في العالم، وأقرب مثال هو ما شهدناه إثر أزمة تفشى «كوفيد-19».
ويقف معد الدراسة عند سؤال مهم، وهو: كيف يمكن للكويت في ظل التحديات العالمية المتزايدة تأمين غذائها للمستقبل؟.. حيث تتناول الدراسة المشهد الحالية للأمن الغذائي الكويتي، وتطرح توصيات مهمة لتفعيل دور اللجنة الوطنية العليا لتعزيز منظومة المن الغذائي والداوئي في الكويت، بالإضافة إلى استعراض نماذج عالمية ملهمة في هذا المجال، وذلك فيما يلي:
المشهد الحالي
سجلت الكويت مراكز متقدمة في تحقيق «الأمن الغذائي» وذلك بحسب ما تضمنه تقرير المؤشر العالمي (FS)، والذي يعد مرجعا مهما لتقييم جهود الدول في تحقيق أمنها الغذائي، إذ احرزت الكويت في عام 2020 ترتيبا متقدما بلغ المرتبة 33 عالميا.
ولكن هذا الإنجاز لم يستمر طويلا، وسرعان ما تراجع ترتيبها لتصل بالسنوات الأخيرة إلى المرتبة 51 عالميا وفقا أحدث التقارير، وهذا ما يعكس وجود فجوات كبيرة في السياسة الوطنية المتعلقة بالأمن الغذائي ويضع تحديات جديدة أمام صناع القرار في الكويت للنهوض فيها لمواجهة تلك التحديات بجدية والسعي لإيجاد الفرص والحلول الكفيلة بدعم تنوع مشاريعها التنموية بهذا المجال.
ووفقا لإحصاءات عام 2022، فإن الإنتاج الغذائي المحلي يلبي فقط 22% من الطلب على المحاصيل القابلة للتلف، كما أن ندرة المياه تحد بشكل كبير من توسع الزراعة. ومن المثير للقلق أن الأراضي الزراعية في الكويت لا تمثل سوى 2% من مساحتها الإجمالية.
ولاتزال الكويت عرضة لمخاطر كبيرة بسبب اعتمادها شبه الكامل على الأسواق الخارجية، حيث تشير الأرقام إلى أن البلاد تنفق أكثر من 4.5 مليارات دولار سنويا لتغطية احتياجاتها الغذائية المستوردة، ورغم أن مخزوناتها الاستراتيجية توفر الأمان المؤقت، فإن هذا النهج لا يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل، خاصة في ظل تقلبات السوق العالمي.
لماذا تأخرت الكويت؟
رغم قوة الاقتصاد المحلي ومكانة الكويت باعتبارها دولة غنية بالنفط فإن هذا لم يقض على التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي والتي لاتزال قائمة ومستمرة. وترجع أسباب تراجعها إلى ما يلي:
1 - الموارد الطبيعية المحدودة وبالأخص ندرة المياه الصالحة للزراعة والمساحات الزراعية القابلة للتطوير تحد من إمكانيات الإنتاج المحلي. إذ تعتمد الكويت بشكل شبه كامل على تحلية مياه البحر لتلبية احتياجاتها، مما يزيد من تكاليف الزراعة التقليدية، لتوفير مياه صالحة للري كما أن الأراضي الصالحة للزراعة محدودة جدا، حيث تغطي أقل من 2% من مساحة الكويت، الأمر الذي يعوق إمكانية التوسع الزراعي فيها.
2 - الاعتماد المفرط على الاستيراد، حيث تستورد الكويت أكثر من 90% من احتياجاتها الغذائية كاملة، مما يجعلها عرضة للتقلبات العالمية في الأسعار واضطرابات سلاسل التوريد.
3 - غياب استراتيجية موحدة تدعم مشروعات الانتاج، حيث إن الكويت تفتقر إلى رؤية شاملة تجمع بين الإنتاج المحلي والاستثمارات الخارجية لتأمين إمدادات الغذاء. هناك حاجة ملحة لاستراتيجية وطنية موحدة للأمن الغذائي على غرار دولة الامارات العربية والمملكة العربية السعودية.
4 - قصور ذريع في تعاون الجهات الحكومية المختلفة، تفتقر الكويت للتعاون بين الجهات في خلق مشروعات تدعم الاستدامة والإنتاج في البلاد، مع ضعف التواصل بين المختصين، والاعتماد على الاجتماعات المطولة دون جدوى وغياب العمل الميداني، قلة الاحصائيات والبيانات والمعلومات الرسمية التي تخدم قطاع تأمين الغذاء على مستوى الدولة، وضياع الجهود بسبب تعقيدات الإجراءات البيروقراطية وبطء الدورة المستندية في اتخاذ القرار.
اللجنة الوطنية لتعزيز الأمن الغذائي
استجابة لهذه التحديات، قرر مجلس الوزراء الكويتي في أغسطس 2022 إنشاء «اللجنة الوطنية العليا لتعزيز منظومة الأمن الغذائي والمائي»، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، والتي تم اسنادها إلى وزير التجارة والصناعة، بحيث تضم في عضويتها ممثلين من جهات حكومية وخاصة، بالإضافة إلى جهاز استشاري بكفاءات من داخل البلاد وخارجها، بهدف إعداد وتوجيه الأنشطة الفنية والتوصيات المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي.
وفي فبراير 2023، اعتمدت اللجنة الخطوط العريضة لاستراتيجية تحقيق الأمن الغذائي والمائي والدوائي، والتي اشتملت على 21 ركيزة أساسية و65 مبادرة، موزعة على النحو التالي:
٭ الأمن الغذائي: 8 ركائز و28 مبادرة.
٭ الأمن الدوائي: 7 ركائز و16 مبادرة.
٭ الأمن المائي: 6 ركائز و13 مبادرة.
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز الإنتاج المحلي، تنويع مصادر الاستيراد، وتحسين كفاءة سلاسل التوريد، لضمان توافر السلع الأساسية في جميع الأوقات.
ما تم تحقيقه الآن
أطلقت اللجنة الوطنية العليا لتعزيز منظومة الأمن الغذائي والدوائي الاستراتيجية الوطنية في فبراير 2023، لكن لم تظهر تقارير أو مؤشرات واضحة حتى الآن عن مدى تطبيق هذه المبادرات بشكل عملي وتأثيرها على السوق المحلي وانعكاسها على مؤشرات الأمان.
وتم الإعلان عن توسيع المخزون الغذائي ليغطي احتياجات تصل إلى 6 أشهر في حالة الطوارئ. ولكن هذا الإجراء يعد قصير المدى ولا يعالج التحديات الهيكلية.
وظهرت بعض المبادرات مثل تشجيع الزراعة الرأسية والاستزراع المائي، لكن نطاق هذه المشاريع لا يزال صغيرا مقارنة بحجم الطلب المحلي وليس هناك سياسة واضحة لتفعيل تلك المشروعات ودعمها على ارض الواقع.
الرؤية المستقبلية
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الكويت في تحقيق أمنها الغذائي، أصبح من الضروري تبني سياسات وخطط عملية تركز على الإنتاج المحلي والاستدامة والابتكار. لتحقيق هذا الهدف، يمكن العمل على عدد من المحاور الرئيسية التي تضمن تحسين قدرة الدولة على مواجهة الأزمات الغذائية وتعزيز الاستقلالية في الإمدادات:
1 - الاستثمار في الزراعة الخارجية
تملك الكويت إمكانات اقتصادية تمكنها من الدخول في استثمارات زراعية خارجية مستدامة. يمكن للحكومة التركيز على شراء أو استئجار أراض زراعية في دول ذات موارد طبيعية غنية، مثل دول أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا، التي تتميز بوفرة المياه العذبة والتربة الخصبة. مثل هذه الاستثمارات تتيح للكويت إنتاج محاصيلها الأساسية بشكل مباشر وميسر، مما يقلل من الاعتماد على السوق العالمي ويحمي البلاد من تقلبات الأسعار واضطرابات سلاسل التوريد. بالإضافة إلى أن التعاون مع دول تمتلك إمكانيات زراعية قوية يمكن أن يوفر حلا مستداما لتأمين احتياجات الكويت الغذائية وتبادل الخبرات.
2 - إنشاء صندوق استثماري للأمن الغذائي
إنشاء صندوق استثماري وطني للأمن الغذائي، يهدف الصندوق إلى تمويل شراء واستئجار الأراضي الزراعية في الخارج لإنتاج المحاصيل الأساسية كالقمح، والأرز، والحبوب، والخضروات، والفواكه. من خلال هذا النهج، يمكن للكويت تقليل اعتمادها على الأسواق العالمية وضمان تدفق مستدام للإمدادات الغذائية. دول خليجية مثل الإمارات والسعودية نجحت في تطبيق استثمارات مشابهة لتحسين أمنها الغذائي. كما يمكن للصندوق الاستثمار في تقنيات زراعية حديثة لتحقيق أعلى إنتاجية وأقل تكلفة، مما يضمن استدامة الغذاء ويعزز استقلالية الكويت الغذائية.
3 - الاعتماد على التكنولوجيا الزراعية
تعد التكنولوجيا الزراعية حلا رئيسيا للتغلب على التحديات البيئية والمناخية التي تواجه الكويت. تقنيات مثل الزراعة الرأسية والزراعة من دون تربة توفر طرقا مبتكرة لزيادة الإنتاج دون الحاجة إلى مساحات كبيرة أو كميات كبيرة من المياه. الدراسات تشير إلى أن استخدام تقنيات مثل البيوت المحمية المبردة يمكن أن يرفع الإنتاج المحلي بنسبة تصل إلى 300%، مما يعزز الاكتفاء الذاتي الغذائي بشكل ملموس.
4 - تعزز وتطور سلاسل التوريد اللوجستية
الأزمات العالمية واضطرابات سلاسل التوريد تبرز أهمية الاحتفاظ بمخزون استراتيجي من المواد الغذائية. يجب على الكويت توسيع قدراتها التخزينية من مخازن جافة ومخازن مبردة ومخازن مثلجة لتشمل مواد غذائية أساسية تكفي لفترات طويلة، مما يضمن استقرار الإمدادات الغذائية حتى في أوقات الأزمات.
5 - إشراك القطاع الخاص
لا يمكن تحقيق الأمن الغذائي دون شراكة فاعلة بين الحكومة والقطاع الخاص. على الحكومة أن تسعى الى توفير بيئة مشجعة للاستثمار الخاص في مشاريع الزراعة والأمن الغذائي من خلال تقديم حوافز مالية وتسهيلات تنظيمية وتقليل البيروقراطية. إشراك القطاع الخاص يمكن أن يوفر التمويل والخبرات اللازمة لتطوير مشاريع مبتكرة ومستدامة تعزز الأمن الغذائي في البلاد.
6 - إنشاء سياسة موحدة للأمن الغذائي
تحتاج الكويت إلى تشكيل جهة حكومية (جهاز أو برنامج) تشرف على الأمن الغذائي، تكون مسؤولة عن تنسيق جميع الجهود المتعلقة بالإنتاج المحلي، وتنظيم استيراد المواد الغذائية، وتوجيه الاستثمارات نحو الابتكار الزراعي. هذه الجهة يمكن أن تضمن توحيد الجهود بين الجهات الحكومية المختلفة وتوفير رؤية استراتيجية طويلة المدى لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
7 - تحفيز الإنتاج المحلي
الإنتاج المحلي يعد من أهم الركائز لتحقيق الأمن الغذائي. يمكن للحكومة إعادة هيكلة الدعوم الغذائية للمزارع موجهة لدعم تقنيات الزراعة المبتكرة مثل الزراعة الرأسية والاستزراع المائي والزراعة في البيئات المغلقة. هذه التقنيات، التي أثبتت فعاليتها في العديد من الدول، يمكن أن تساعد الكويت على تجاوز تحديات ندرة المياه والمناخ القاسي.
8 - تعزيز كفاءة استخدام المياه
ندرة المياه تعد من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة في الكويت. لذلك، يجب التركيز على الاستثمار في تقنيات حديثة مثل الري الدقيق والزراعة المائية، التي تسمح باستخدام كميات أقل من المياه مع تحقيق إنتاجية أعلى بالإضافة إلى تطوير مصادر انتاج المياه بالتكنولوجيا الحديثة. مثل هذه التقنيات ليست فقط فعالة من حيث الموارد، بل تساهم أيضا في تعزيز الاستدامة البيئية.
9 - تقليل الهدر الغذائي
تشير البيانات إلى أن الكويت تهدر كميات هائلة من الطعام سنويا، مما يمثل تحديا بيئيا واقتصاديا ملحا. وفقا لتقارير وزارة التجارة والصناعة، يقدر حجم النفايات العضوية والغذائية في الكويت بنحو 800 ألف طن سنويا، 45% منها يشمل مواد غذائية صالحة للاستهلاك. للحد من هذا الهدر، أطلقت وزارة التجارة والصناعة مبادرة «قدرها»، والتي تهدف إلى تقليل فقد الطعام وهدره من خلال تعزيز التوعية المجتمعية وتبني حلول مبتكرة لإدارة النفايات الغذائية. تشمل المبادرة توعية المواطنين بالسلوكيات الإيجابية مثل تخطيط التسوق بشكل مسبق، والتخزين الصحيح للأطعمة، والتصرف السليم مع بقايا الطعام. الهدر الغذائي ليس فقط مسألة بيئية أو اقتصادية، بل هو تحد أخلاقي يتطلب تضافر الجهود من قبل المجتمع والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتغييره. المبادرات الحالية تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن تحقيق تغيير ملموس يتطلب استمرارية هذه الجهود وتوسيعها لتشمل جميع فئات المجتمع.
تحقيق الأمن الغذائي في الكويت ليس مهمة سهلة، لكنه هدف قابل للتحقيق إذا تم العمل على تنفيذ هذه المحاور بشكل فاعل. من خلال تبني السياسات المبتكرة والاستثمارات الذكية، يمكن للكويت أن تتحول إلى نموذج إقليمي في تحقيق الاستدامة الغذائية، مما يضمن رفاهية مواطنيها وأمنهم الغذائي في المستقبل.
بتبني هذه المحاور، يمكن للكويت بناء منظومة غذائية قوية ومستدامة تضمن رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية، وتضع البلاد في مكانة ريادية في تحقيق الأمن الغذائي على المستوى الإقليمي.
4 توصيات لتفعيل دور اللجنة الوطنية لتعزيز الأمن الغذائي والدوائي
يقول معد الدراسة د.مشاري المحمود إن اللجنة الوطنية العليا لتعزيز منظومة الأمن الغذائي والدوائي والمائي تمثل خطوة أولى في تصحيح المسار، ولكن التحدي الأكبر هو رسم هذه الخطط وترجمتها إلى أعمال مدروسة وحقيقية ملموسة، التنفيذ الفعال والشفافية هما أساسا لتحقيق الأهداف المعلنة وضمان مستقبل غذائي مستدام للكويت، ويستعرض المحمود 4 توصيات مهمة لتفعيل دور هذه اللجنة.. وذلك فيما يلي:
1- الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة اعتماد الجدول الزمني طويل المدى بمراحل ومقومات واقعية والتنفيذ التجريبي.
2- تحديد أولويات واضحة والتركيز على مشاريع محورية مثل الزراعة العمودية والزراعة المائية بتقنيات متطورة لتوفير إنتاج محلي مستدام.
3- تعزيز الشفافية ونشر تقارير منتظمة دورية عن التقدم المحرز في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية، مع إشراك المجتمع والخبراء لتقييم النتائج.
4- الاستفادة من التجارب الدولية والاستعانة بنماذج ناجحة من دول الخليج مثل الإمارات والسعودية، حيث تم تحقيق تقدم ملموس في الزراعة والاستثمارات الخارجية في الأراضي الزراعية.
دعوة للتغيير.. الأمن الغذائي ليس ترفاً
يعد موضوع الأمن الغذائي ضرورة استراتيجية حتمية، بل يمثل حجر الزاوية في سيادة الكويت واستقرارها، حيث يشير د. مشاري المحمود إلى أن البلاد بحاجة إلى تغيير جذري في طريقة تعاملها مع ملف الأمن الغذائي والذي يجب أن يتصدر أولويات المجتمع.
ويقول إن الاهتمام بملف الأمن الغذائي للكويت، يكون عبر تضافر كل الجهود، والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين، إذ تعتبر الحلول والتخطيط السليم والوعي والإرادة والعمل باجتهاد، هي مفاتيح نجاة أمننا الغذائي.
الاستثمار الخارجي.. خيار إستراتيجي مهم
يقول د.مشاري المحمود إن الكويت بحاجة لتتبنى نهجا استراتيجيا متكاملا يشتمل على شراء واستئجار أراض زراعية في الدول التي تتمتع بموارد طبيعية غنية، مثل المياه العذبة والتربة الخصبة. من خلال ذلك، يمكن للكويت ضمان إنتاج مستدام من المحاصيل الأساسية مثل القمح، والأرز، والسكر، والحبوب، والخضروات، والفواكه. ويضيف: «تشير الدراسات إلى أن استثمارات الزراعة الخارجية تحقق عائدا مزدوجا: الأول يتمثل في ضمان الإمدادات الغذائية، والثاني في تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول المستضيفة، فعلى سبيل المثال، تمتلك الإمارات استثمارات زراعية ضخمة في السودان وإثيوبيا، مما يعزز قدرتها على الوصول إلى محاصيل أساسية مثل القمح والحبوب والسكر».
نماذج عالمية ملهمة: دروس من التجارب الدولية
لتعزيز الأمن الغذائي، يمكن للكويت الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي واجهت تحديات مشابهة، حيث يرى د. مشاري المحمود أنه يمكننا الاستفادة من تجارب عدد من الدول التي تبنت خططهم رسم استراتيجيات قائمة على شراكات بين القطاعين العام والخاص، تدعم الاستثمار بالتقنيات المستدامة مثل الزراعة في البيئات المغلقة والزراعة المائية، ومن هذه الأمثلة:
1- النموذج الإماراتي.. تبنت الدولة «استراتيجية الإمارات للأمن الغذائي الوطني 2051»، والتي ترتكز على الزراعة المائية والزراعة الهوائية والزراعة العمودية، مع شراكات استراتيجية لشراء ولاستئجار الأراضي الزراعية في افريقيا وآسيا، ومن خلال هذه الاستثمارات، ضمنت الإمارات إنتاجا مستداما للغذاء بتكاليف مقبولة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
2- النموذج السعودي.. عززت المملكة إنتاجها المحلي عبر الزراعة المائية وتقنيات الري المبتكرة، مما جعلها نموذجا للاستدامة الزراعية في المنطقة، وركزت السعودية على الاستزراع المائي، مما جعلها من رواد إنتاج الأسماك والروبيان، كما استثمرت في تقنيات حديثة لزيادة كفاءة استخدام المياه، مما يعكس أهمية التكنولوجيا في تحقيق الاكتفاء الذاتي.
3- النموذج القطري.. تنتهج قطر استراتيجية الاستيراد الذكي وتوسيع احتياطياتها الغذائية الطارئة.
4- النموذج السنغافوري.. على الرغم من محدودية المساحة والموارد، نجحت سنغافورة في إطلاق استراتيجية تهدف إلى إنتاج 30% من احتياجاتها الغذائية محليا بحلول عام 2030 باستخدام تقنيات متطورة مثل الزراعة الذكية، باستخدام تقنيات متقدمة مثل الروبوتات الزراعية والزراعة المغلقة. وقد حققت إلى الآن تقدما ملحوظا.
5- النموذج الإثيوبي.. وجنوب السودان مع الدول الخليجية، قامت العديد من الدول الخليجية، بما في ذلك الإمارات والسعودية وقطر، بشراء واستئجار أراض زراعية في إثيوبيا وجنوب السودان والسودان، مما يضمن لها وصولا مباشرا إلى المحاصيل الزراعية الأساسية.