لا شك أن الأزمة الاقتصادية العالمية كانت مؤلمة وكارثية في بعض جوانبها، إلا أنها ورغم ذلك، كانت مفيدة للغاية للاقتصاد العالمي، حيث فجرت هذه الأزمة، الفقاعة الاقتصادية التي نفختها المبالغة في الإقراض وابتكار وتداول المشتقات المالية، ناهيك عن الطمع والجشع والأنانية وغيرها من المظاهر الأخلاقية السلبية التي سادت المجتمع الاقتصادي العالمي، فكأن الأزمة المالية العالمية جاءت لإنقاذ البشرية من هوس وجرم وطغيان الرأسمالية المنحرفة والمسيرة بواسطة شرذمة من الانتهازيين الذين لا يشبعون.
وقد اكتوت الكويت بكل تأكيد بنيران الانتهازيين الذين ركبوا موجة المال والاقتصاد لبناء الأرصدة النقدية الفلكية والثروات الخرافية بأي طريقة كانت، وشواهد ذلك لا حصر لها، حيث انهارت مؤسسات وتعثرت أخرى، وسقطت رموز اقتصادية وبعضها في الطريق، وتم إنقاذ أخرى في اللحظة الأخيرة، كما تهاوت قلاع اقتصادية كانت تبدو حصينة، وانكشف أباطرة الفساد وعمالقة الإجرام، وإن لم يكن جميعهم، فشريحة لا بأس بها منهم، إلا أن من المؤلم أن دهاقنة الإجرام المالي ما زالوا طلقاء يزاولون حياتهم الطبيعية كالمعتاد رغم زوال «هيلمانهم» وبريقهم الاقتصادي والمالي، حيث كانت فرحتنا ستكتمل بإيداع هؤلاء السجون، وهو مكانهم البديهي والمنطقي والطبيعي.
نعم، كانت الأزمة المالية نعمة وليست نقمة في محصلتها النهائية، وقد كانت إيجابياتها أكثر من سلبياتها، حيث انه بافتراض استمرار الرواج الاقتصادي وعدم حدوث أزمة 2008 وتوابعها، لاستمر بعض رموز الاقتصاد - أو الفساد بمعنى أدق - في طغيانهم يعمهون، وبالتالي، يتضاعف حجم كرة الثلج، وعليه، تكون الكارثة أفدح وأنكى وذات دمار شامل، ولن تبدأ مؤشرات التعافي من هذه الفضيحة العملاقة قبل عقد من الزمان، كما حصل الآن، حيث بدأت المؤشرات الملحوظة للتعافي بعد ثلاث سنوات من اندلاع الأزمة، وهي المنقذة في جوهر الأمر من كارثة عملاقة لا حدود لها.
نعم، جاءت الأزمة لتحجيم وربما تأديب من عبث بأموال المساهمين وضحك على ذقون المستثمرين في ظل غياب التعزير الرسمي المتمثل في محاسبة هؤلاء جراء ما اقترفوه من جرائم مالية آثمة وغير أخلاقية من قبل المؤسسات الرسمية في الدولة، والذي لم يتم سواء لضعف التشريعات، أو عدم الجدية في تطبيقها، أو تواطؤ «المؤتمنين» على تطبيق القانون والجزاء مع تلك الشرذمة المالية الفاسدة والفئة الاقتصادية المارقة.