عبدالحميد الخطيب
لوحات غنائية ومتعة بصرية وطرح مسرحي راق كانت نتاج رؤية إخراجية موفقة (رغم تكرارها) من المخرج والفنان محمد الحملي الذي قدم الجزء الخامس من مسرحيته «مسرح بلا جمهور» ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الخرافي المسرحي الدورة الثامنة، فبعد عرض فيلم قصير للأجزاء السابقة للمسرحية رفع الستار عن عرض غنائي لمجموعة من السنافر يعيشون جميعا في الغابة، ويجلسون على مقهى لسنفر اسمه شرشبيل «عبدالله الخضر» والذي يتجبر على النادل «عبدالله البدر» لأنه يسبب الخسائر للمقهى، فيتشاجر معه، ولكن يتدخل السنفر المفكر «عبد المحسن العمر» لفض الاشتباك، مما يثير غضب حبيبته «نوف السلطان» ما يدفعه لالتزام الصمت، وهنا يلملم النادل حاجياته ويقرر مغادرة المقهى دون رجعة، ولكن يقنعه شرشبيل بالبقاء وان يقوم بتنظيف المكان، فيعود النادل الى العمل ويُحضر فراشا «ناصر الدوب» ويبدأ في املائه بعض الاوامر، ما يثير حنق الفراش ويرفض العمل ويتشاجر مع النادل فيتدخل السنفر المفكر مرة أخرى لفض الاشتباك، ولكن يأتي شرشبيل ويجبر الفراش على تنظيف الحمامات فينصاع الفراش لخوفه من شرشبيل الذي يتحكم في كل السنافر في البلدة، حتى قائد الشرطة الذي أغراه بالمال، وفجأة يظهر كبير السنافر والذي يستاء مما وصل اليه حال البلدة من تدهور في غيابه، فيهاجم شرشبيل ويعاتبه على افعاله ويأمره بأن يغادر البلدة بلا رجعة، وتنتهي المسرحية مع دخول محمد الحملي، وهو يبكي على ما آلت اليه حال السنافر في القصة التي كان يقرؤها ويتخيل أحداثها.
تطرقت المسرحية للعديد من المشاكل في واقعنا المعاصر وسلطت الضوء على الصعوبات التي تواجهها الشعوب وانقيادها وراء التيارات المختلفة دون وعي بالمخاطر المحدقة بالمجتمع جراء اتباع ثقافات أكثر تحررا من خلال استخدام الحملي كل الامكانات المتاحة أمامه لإيجاد معادلة سليمة حافظت على إيقاع عناصر العرض المسرحي، فابتعدت المسرحية عن الملل والرتابة، لاسيما انه استغل الفضاء المسرحي بحرفية من خلال ديكور الغابة ومواقع المجموعات على المسرح التي أحكم سيطرته عليها فقدمت استعراضات رائعة جمعت بين الكوميديا والرؤية البصرية عبر لوحات تشكيلية جميلة دون أخطاء تذكر، وكذلك لعبت الأزياء والاضاءة واستخدام الموسيقى «اللايف» دورا مهما في جذب المتلقين للاحداث حتى نهاية العرض.
وبالنسبة إلى الفنانين المشاركين فجميعهم اصحاب تجارب في المسرح الاكاديمي وبعضهم في المسرح الجماهيري ويتمتعون بقدر عال من الليونة التمثيلية فظهروا جميعا أبطالا، خصوصا الفنان عبدالله الخضر والذي جسد شخصية «شرشبيل»، حيث استأثر بمعظم الاشادات من الحضور، لاسيما ان أداءه كان تلقائيا ومقنعا، وأيضا الفنان ناصر الدوب الذي استأثر بتصفيق الجمهور أكثر من مرة لإجادته في نقل انفعالات «الفراش» المظلوم، ولا ننسى أداء عبدالله البدر وعبد المحسن العمر اللذين شكلا ثنائيا واعيا على خشبة المسرح، وما يعاب فقط على الحملي من ناحية الممثلين هو تهميشه لدور المرأة وعدم إبرازه للفنانات المشاركات في العمل مثل نوف السلطان ونورة العميري التي كانت فقط ضمن فريق الكورال ولم يكن لها دور يذكر.