قد يتردد الإنسان في أمور عدة عند شراء أو بيع سيارة أو منزل أو التقدم للتعيين بوظيفة معينة أو الخروج منها، وأشد من ذلك مراودة النفس وترددها ما بين الإقدام على عمل مصيري يؤثر على حياة الشخص وعلى عائلته أو الإحجام فيفكر في آثار إقدامه أو إحجامه فيحسب ما سيجنيه من منافع وما قد يترتب على ذلك من مضار وما سيكسبه وما سيخسره، وهذا مسلك طبيعي فعلم الغيب بيد من له ملكوت السموات والأرض سبحانه والنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حث على الاستشارة والاستخارة في مثل هذه الحالات، فبالأولى أن تشارك الناس بعقولهم وتستفد من تجاربهم وتنتفع من خبراتهم خاصة كبار السن أطال الله وبارك بأعمار الأحياء ورحم ونعّم الأموات وفي الثانية الاستخارة التي كان لا يتركها المصطفى صلى الله عليه وسلم في أمره كله كما ورد بالحديث الشريف يسأل الله سبحانه بعلمه للغيب ومآلات الأمور ان يقدر له الخير فيما سيقدم عليه أو يصرفه عنه إن كان به شر، فقد قال تعالى (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) (الأعراف: 188)، وبانتهاج هذين المسلكين عند التردد يصبح التردد في أمر ما محمودا.
إن كان هذا في الأمور الخاصة فإن الأمانة أكبر والمسؤولية أعظم في الأمور العامة حيث الاستخارة أولى والاستشارة أوجب فلو أخذنا مهنة الطب قصدا ومثلا فالطبيب المؤتمن على أرواح الناس وصحتهم تردده في التشخيص الطبي للحالة التي أمامه بعد عمل ما يلزم من فحوصات وتحاليل دون استشارة من هم أقدم منه وأعلم من المختصين ظنا منه أن ذلك أمر معيب بحقه وانتقاص من قدره، مسلكه ذاك قد يترتب عليه تشخيص خاطئ للمرض ينجم عنه صرف أدوية لا تعالج المريض ولا تنفعه وفي ذلك إخلال جسيم بهذه الأمانة وإهدار للمسؤولية.
وأشد منها إن كان التشخيص صحيحا ولكن التردد من الطبيب المعالج كان بعمل العملية أو تأجيلها فيركن عادة بقراره المصيري الفردي للتأجيل، في حين ان الواجب واللازم أن تكون هناك لجنة تضم الأطباء المعالجين والمختصين فمثلا إن كان المريض يعاني من انسداد بأحد شرايين القلب وضعف بالكلى والتهاب بالصدر فضلا عن مرض السكري فالصحيح أن تكون هناك لجنة تضم أطباء هذه الأمراض وأصحاب الخبرة من استشاريي القلب لبحث مدى صحة التأجيل والاحتمالات الراجحة عند تأجيل عمل العملية من تدهور الحالة أو تحسنها خاصة إن كانت آلام الصدر مستمرة مع المريض، وفي العموم فإن من الضروري وجود منهجية متبعة لرأي جماعي بشأن الحالات الخطرة أو المحتمل تردي وضعها الصحي والإجراء السريع اللازم اتخاذه بشأنها، هذا مع الأسف لا يوجد في مستشفياتنا وإن وجد فمرور من الأطباء عام للتعليم أو الإحاطة وليس بيدهم اتخاذ قرار مصيري، فمصير المريض بيد الطبيب المعالج يقرر ما يراه دون تعقيب أو مراجعة لرأيه وكم من مريض أجهد نفسيا وعضويا من قرارات فردية على مكنونات جسده بلا حيلة له ولا مسؤول يسمع فيصحح هذه المنهجية البالية.
فهل يا وزارة الصحة لديكم خطة سريعة تتدارك التقصير السابق والتردد في القرار أحيانا لعمل منهجية عمل لأطبائكم أيا كان تخصصهم في التعامل مع المرضى أيا كان مرضهم تعلو بهذه المهنة الشريفة الدقيقة التي لا يماثلها مهنة حيث الخطأ بها يودي بالأرواح والإصابة بها تشخيصا وعلاجا استنقاذ لحياة إنسان، قال تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (المائدة: 32).
[email protected]