الحديث عن الماضي جميل، أجمل مما يحمله الأطفال من براءة، وأنقى من نوايا الأغبياء، حينما يتعاملون مع الفرصة بكل غباء دون انتهازية واقتناص ان الماضي بالنسبة لتاريخ اي شخص فينا هو الصفاء بحد ذاته، قبل أن تدخل إلينا مطامع النفس ونوازعها، وقبل ان يداهم نوايانا حب الشهوات والقناطير المقنطرة وحب المال والسلطة والاستفراد بكل ما هو جميل ورائع ولافت للنظر.
إن الحاضر الذي نحن بصدده ونعيشه هو نتيجة لابتعادنا عن أشياء رائعة جميلة، فقدناها في زحمة هذا التطاحن الحياتي وهذا التشابك اليومي الذي نحياه ونحن نواصل رحلة الحياة ونسير في خضمها، إن الابتعاد عن الحقيقة التي جاء هذا الوجود بأكمله من أجلها كان هو، بل بعينه، السبب المباشر والداعي الى انخراطنا في هذه الأتونات التي لها بداية وليست لها نهاية!
إن تهويل الأسباب وتضخيم النتائج وتعظيم الدواعي واستشراء التناقل السيئ للأحداث والمواقف كل هذه الأشياء أدت الى ما نحن فيه من وضع متكأكئ حول أشياء لا تستحق كل هذا الجهد وكل هذا العناء المبذول!
بالأمس القريب وأنا أقلب دفتر الذكريات والسجل الذاتي لأصدقائي ورفاقي رأيت وجوها وغابت أخرى، رأيت من بزغ بعد أن أضحى نجما ورأيت من انطفأ بعد ان كان متوهجا، رأيت من رحل عن ساحة هذه الحياة دون ان يودعنا او نودعه، او نقف حتى ونتذكره! ورأيت من توارى خلف البعد وهجير الحاجة وهو مشغول بنفسه وذاته التي أضناها التعب!
هي الحياة التي نقبل بها، دون ان تكون لنا فرصة اخرى سوى القبول بها والتشبث بها لنواصل دورة الحياة ورحلة المرحلة التي نحن بصددها!
كم أنا مشتاق أن ألتقي كل أصدقائي الذين أبعدتهم الحياة وهزمهم الزمن كما أنا مشتاق بكل ما تعنيه كلمة الاشتياق لأعرف ما حل بأصدقاء مراحل الحياة، إن حب الأصدقاء نابع من حبنا لهذه الحياة التي تتعبنا وتضنينا ونحن نزيد في حبها، رغم ما نكابده من مشقة وعناء، وضناء في خضمها، لهذا كان الحب للأشياء نابعا من مدى ما نبذله من تعب وشقاء في الحصول عليها ونحن نعرف أنها مفقودة شئنا أم أبينا!