تُعد سلامة ومأمونية المرضى في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية حقا أصيلا للمريض والمجتمع من منظور إنساني وأخلاقي واقتصادي، فضلا عن أنها التزام مهني وقانوني بل دستوري في معظم الدول، ورغم أن الأحداث السلبية الناجمة من التداخلات الطبية ليست بالظاهرة أو المشكلة الجديدة إلا أن دراسات جادة أجريت في هذا المجال في بعض الدول المتقدمة أظهرت مؤشرات مقلقة عن حجم مشكلة سلامة المرضى في المرافق الصحية، ووضعت القيادات الصحية في تحد حقيقي ودائم من أجل ضمان جودة وأمان الرعاية الصحية، ومن أهم تلك الدراسات تقرير المعهد الطبي في الولايات المتحدة الأميركية الذي نشر في عام 1999 تحت عنوان «الخطأ إنساني: بناء نظام صحي أكثر مأمونية»، وقد أشار إلى أن الأخطاء الطبية (النظامية أو الفردية) تتسبب فيما بين 44.000 ـ 98.000 حالة وفاة سنويا في مستشفيات الولايات المتحدة، أي أكثر مما تسببه حوادث السيارات أو سرطان الثدي أو الايدز، وعزز ذلك ما جاء في تقرير الإدارة الصحية في المملكة المتحدة عام 2000 الصادر تحت عنوان «تنظيم له ذاكرة» الذي أكد على وقوع الأحداث السلبية على نحو 10% من الحالات المقبولة في المستشفيات أي نحو 85 ألف حادث سلبي سنويا، وتدل الظواهر على احتمالية وقوع الأحداث السلبية بنسب أعلى بكثير في البلدان النامية مقارنة بالدول الصناعية المتقدمة.
ومن المنظور الاقتصادي فإن الأحداث السلبية الناجمة من التداخلات الطبية تشكل خسارة مالية جسيمة، فلقد وجد أن تكلفة مدد الإقامة الإضافية في المستشفيات في المملكة المتحدة تبلغ حوالي 2 مليار جنيه إسترليني سنويا بالإضافة إلى تكاليف محتملة من المطالبات التعويضية تقدر بنحو 2.4 مليار جنيه إسترليني، في حين تقدر تكلفة العدوى المكتسبة في المستشفيات بما يقارب مليار جنيه إسترليني سنويا، أما في الولايات المتحدة فيقدر الفاقد القومي على الأحداث السلبية بالمستشفيات بما فيها الدخل المفقود والإعاقة والتكاليف الطبية ما بين 17 و 29 مليار دولار سنويا، بالطبع يضاف إلى ذلك تكاليف فقدان الثقة والرضا بين الجمهور ومقدمي الرعاية الصحية والتكاليف غير المباشرة مثل التعويضات وفقدان أيام العمل الإنتاجية.
محليا وإقليميا هناك ندرة في الدراسات العلمية المحكمة والمحايدة لتوصيف حجم مشكلة سلامة المرضى في المرافق الصحية بشقيها الإنساني أو الاقتصادي، ولذا من الصعب في ظل غياب قاعدة البيانات والدراسات التحليلية للأحداث السلبية قياس مدى التقدم المحرز في خفض الأخطاء الطبية في دولنا.
إن تبني حلول منظمة الصحة العالمية والتحالف العالمي لسلامة المرضى في برامج جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى يبدأ بتوفير قواعد البيانات والدراسات المحكمة واتباع سياسة الشفافية في الإفصاح عن الأحداث السلبية والأخطاء بغرض التعلم والعمل على منع تكرر حدوثها وليس استهداف الأفراد أو المؤسسات لأغراض شخصية أو سياسية، كما أن للمجتمع المدني دورا هاما في توجيه الجهات الرقابية الشعبية والحكومية على ضرورة تبني ملف حقوق وسلامة المرضى وتوفير الرعاية الصحية الآمنة وربطهما بمقاييس الجودة.
وفي هذا المقام لابد أن نستذكر ونحيي جهود نخبة من المهنيين الصحيين والحقوقيين والسياسيين الكويتيين ممن تبنوا قضية نشر ثقافة سلامة المرضى والرعاية الصحية الآمنة منذ سنوات رغم إحجام الدولة عن مطلبهم إشهار جمعية تطوعية لهذا الغرض ومن دون أي دعم من الدولة، فلهم منا في هذا الشهر الفضيل كل التقدير والامتنان.
[email protected]