أصدر محكم في مقاطعة كوبيك الكندية في هذا الصيف حكما لصالح طبيب مقيم يقضي بحظر مناوبات الأطباء المقيمين بالمستشفيات والتي تصل إلى 24 ساعة متواصلة نظرا لتعرض صحة وقدرات الطبيب للخطر، استنادا إلى تعارض ذلك مع بعض مواد الحقوق والحريات الكندية العمالية والشخصية وأعطى جهة العمل (المركز الطبي لجامعة ميجل) مدة 6 أشهر لتغيير نظام المناوبات بما لا يتجاوز 16 ساعة عمل. ورغم أن الحكم يخص المستشفى إلا أنه من المتوقع أن يكون الحكم سابقة لأحكام مماثلة للمستشفيات في المقاطعات الكندية خاصة أن دول أخرى تبنت هذا الموقف منذ مدة مثل مجلس اعتمادات التعليم الطبي الأميركي الذي حدد مدة المناوبة بحد أقصى 16 ساعة وكثير من الدول الأوروبية بحد أقصى 13 ساعة.
الأدلة العلمية التي استند إليها الحكم كانت جازمة وحاسمة. فعلى سبيل المثال كانت دراسات أستاذ جامعة هارفارد خبير فسيولوجية النوم والإرهاق الذهني د.تشالز كزيسلر مثيرة وقاطعة، فبياناته دلت على مضاعفات ساعات العمل الطويلة والمتواصلة أثناء الممارسة الطبية وتداعياتها على سلامة المرضى وقرارات الطبيب المقيم المتدرب . فالبيانات وهي بالمناسبة منشورة منذ عدة سنوات في الدوريات الطبية، دلت على أن الأخطاء الطبية تقع بشكل أكبر مع المناوبات الطويلة والمتواصلة أكثر من 24 ساعة وبتقدير قد يصل إلى 36% من الأخطاء الخطيرة. وخمس أضعاف الأخطاء التشخيصية مقارنة بالعاملين بالمناوبات القصيرة (16 ساعة)، كما أن الأطباء المقيمين أكثر عرضة لحوادث السيارات بعد المناوبة الطويلة وبمعدل الضعفين والنصف تقريبا . كان الحكم رسالة تحذيرية لتداعيات الإرهاق وقلة ساعات النوم ونتائجه الوخيمة. ولذا صدرت تشريعات تحدد ساعات العمل الطويلة لكثير من المهن كالطيارين وسائقي القطارات والحافلات والعاملين في المفاعلات النووية في الدول المتقدمة. بالطبع القرار بتحديد ساعات العمل بالمناوبات لن يقضي على الأخطاء الطبية ولكن سيعالج أحد أسبابها نتيجة الإرهاق الذهني والضغط المتواصل والذي يتجاوز القدرات الفسيولوجية للطبيب العامل . كما أن القرار سيلزم العاملين على تحسين نظم التواصل بين الأطباء عند تسليم رعاية المرضى لزملائهم بعد المناوبات. ولأن تلك الدول تبني قراراتها على الدراسات فقد تمت زيادة مدة التدريب السريري للأطباء لتعويض ما سيفقده المتدرب من ساعات التعليم الطبي أثناء المناوبات الطويلة، وهذا ما حدث فعلا في بريطانيا عندما تمت زيادة مدة التدريب إلى سنة إضافية. كما دفع المسؤولون على التعليم الطبي الى زيادة مقاعد الدراسة في كليات الطب لتعويض النقص في العمالة الطبية بعد تقليل ساعات عمل المناوبات.
في نهاية المطاف كانت نتيجة المعادلة تصب في صالح سلامة المرضى ورعايتهم الآمنة وتقليل تعرض العاملين للأخطاء الطبية.
[email protected]