يشير تغيير اثنين من المسؤولين في أعلى المناصب الاقتصادية في السعودية إلى أن المملكة ربما تستعد لتنشيط برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ينشط حينا ويتباطأ حينا.
وأصدر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الثلاثاء الماضي أمرا ملكيا مفاجئا بتعيين محمد الجاسر محافظ البنك المركزي وزيرا للاقتصاد والتخطيط. وحل محله في رئاسة البنك المركزي فهد المبارك العضو المنتدب السابق للوحدة السعودية لبنك الاستثمار مورغان ستانلي.
وكما هو الحال في الكثير من التعديلات الوزارية السعودية التي تتسم بالغموض لم يكن هناك تفسير واضح لهذا التعديل. ولا يعتبره المحللون محاولة لتغيير مسار السياسة النقدية أو الطريقة المتحفظة التي يدير بها البنك المركزي الثروة النفطية الضخمة للمملكة إذ يمتلك البنك أصولا أجنبية صافية تزيد على 500 مليار دولار جزء كبير منها في شكل أذون وسندات خزانة أميركية وودائع في بنوك أجنبية.
وبدلا من ذلك يرى بعض المحللين أن هذا التغيير يهدف لتسريع الإصلاحات الاقتصادية في ملفات مهمة مثل أسواق رأس المال والسياسة الصناعية وأسعار الطاقة المحلية.
وقال خان زاهد كبير الاقتصاديين لدى الرياض المالية «السؤال هو ما الدور الذي ستلعبه وزارة الاقتصاد والتخطيط مع العلم بأنه ليس لها وظائف في تسيير الشؤون اليومية. قد يرغبون في الاضطلاع بدور قيادي في تحديد اتجاه السياسة والإصلاحات. بالتأكيد هذا التعيين يشير إلى منح الثقة من قبل الملك».
ويحظى الجاسر باحترام المصرفيين والاقتصاديين السعوديين وتحدث في السابق عن الحاجة للتصدي للتحديات الهيكلية الطويلة الأجل التي تواجه الاقتصاد السعودي لكن إذا كان ينوي معالجة مشكلات شائكة من قبيل الارتفاع المقلق في الاستهلاك المحلي للنفط فسيحتاج دعما سياسيا كبيرا.
ويقول محللون إن وزارة الاقتصاد والتخطيط افتقرت نسبيا إلى دور فاعل خلال السنوات القليلة الماضية إذ كانت تضع خططا خمسية لا تشبه غالبا الأداء الفعلي للاقتصاد. ويتداخل دورها مع وزارات أخرى وهو ما يثير مخاطر لمشاكل إدارية بشأن تغييرات السياسة.
وقال جارمو كوتيلين كبير الاقتصاديين لدى البنك الأهلي التجاري في جدة «من المسائل التي تحدث عنها الجاسر زيادة الاستهلاك المحلي للطاقة والتداعيات الاقتصادية لذلك. تحدث كثيرا أيضا عن أسواق الصكوك والروابط المحتملة بينها وبين البنية التحتية».
وأضاف كوتيلين قائلا «لذلك هو لديه رؤية اقتصادية واسعة جدا ومنصبه الجديد سيعطيه فرصة كبيرة لتطوير وتنفيذ هذه الرؤية».
وبدأت السعودية برنامجا موسعا للإصلاحات الاقتصادية قبل أكثر من 10 سنوات وعمدت إلى تحرير الاقتصاد لفتح البلاد امام الاستثمار الخاص والمستثمرين الأجانب وتقوية القطاع المالي. وكان الهدف من هذه الجهود الحد من اعتماد المملكة على إيرادات النفط المتقلبة وخلق فرص عمل في الشركات الخاصة.
لكن الإصلاحات تباطأت في العامين المنصرمين وكان التقدم محدودا في تغييرين متوقعين منذ سنوات وهما السماح للأجانب بالاستثمار في سوق الأسهم بشكل مباشر وإقرار قانون للسماح بالرهون العقارية.
ومن المسائل الصعبة أيضا، المستويات المنخفضة التي تحددها الحكومة لأسعار الطاقة المحلية. فهذا يشجع على هدرها ويخفف الضغط على الشركات لتحديث التكنولوجيا التي تستخدمها بينما يهدد الإسراف في الاستهلاك المحلي للنفط في الأجل الطويل بخفض صادرات السعودية من الخام. وقال سايمون وليامز الخبير الاقتصادي المختص بالشرق الأوسط في بنك «اتش.اس.بي.سي» في دبي «هناك إقرار واضح في السعودية بالحاجة الى تسريع الإصلاح وهذا قد يكون جزءا من ذلك التعديل».
وقد يساعد فتح سوق الأسهم امام الاستثمار الأجنبي ـ وهو الأمر الذي تدرسه الحكومة منذ بضع سنوات ـ على تقوية القطاع الصناعي عن طريق زيادة الانضباط في السوق.
ويعتقد أيضا أن السعودية تريد إصلاح سوق سندات الشركات وتشجيع الشركات على إصدار مزيد من السندات مما سيقلل اعتمادها المفرط على القروض المصرفية وهو الأمر الذي يمكن أن يكون غير ملائم للشركات ويشكل خطورة على البنوك.
وقد تكون الرغبة في تسريع إصلاحات سوق رأس المال هي السبب في تعيين المبارك محافظا جديدا لمؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي). ففي حين أن الجاسر مسؤول حكومي تدرج في المناصب الإدارية الحكومية فإن المبارك يتمتع بخبرة طويلة في القطاع الخاص وهو مطلع على الأسواق المالية بحكم عمله السابق في مورغان ستانلي ـ السعودية. وشغل أيضا منصب رئيس مجلس إدارة سوق الأسهم السعودية.
وقال كوتيلين «أحد مناقب فهد المبارك ان لديه خبرة مباشرة في السوق على مستوى رفيع وذات بعد عالمي لذلك فهو مؤهل بشكل جيد لدور التنظيم المصرفي».
وأضاف كوتيلين أن هذا قد يعطي المبارك منهجا أكثر تركيزا على السوق في الوقت الذي يتعافى فيه النظام المصرفي السعودي من أزمته المالية بعد عدة سنوات من إدارة المخاطر. وستضطر البنوك السعودية ايضا في السنوات القليلة المقبلة لتطبيق المعايير المصرفية العالمية الجديدة بازل-3 وهي مهمة صعبة تتطلب منها بناء عوازل من السيولة تتكون من العديد من أدوات السوق.
وقال كوتيلين «في الفترة المقبلة سيكون أحد التحديات المهمة هو ضمان أن يلعب القطاع المالي دورا رئيسيا في دفع التنمية الاقتصادية ولهذا فإن إضافة الأبعاد السوقية سيكون مفيدا جدا».