المال ذخر الدنيا ورصيد الآخرة لأولي الألباب، فهو المقدم على البنين في القرآن الكريم ومنه تدفع الكفارات والزكوات وبوجوده يتحقق شرط الاستطاعة في الحج والباءة في الزواج فضلا عن انه سبيل لكسب الولاءات ودفع العداوات، كما انه الدافع للعمل والاجتهاد في العيش وطلب الرزق لذلك اغترب عن بلادهم المغتربون وطلب العلم الطالبون واخترع المخترعون وتفاضل الناس وتمايزوا وكل ذلك يقترن به الأجر والثواب من الله سبحانه أن اختلط بنية صادقة بكسب حلال نقي، فالمغترب طلبا للرزق الحلال عده المصطفى صلى الله عليه وسلم في سبيل الله وطالب العلم يسلك طريق إلى الجنة والتجار المؤدين حق الله في أموالهم زكاة وصدقة الداعمين لعملهم ذاك بالتسبيح والتهليل لما اشتكى الفقراء للنبي صلى الله عليه وسلم بتميز الأغنياء عنهم بذلك قال صلى الله عليه وسلم «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء «وغير ذاك لذلك كانت النية رافعة للعمل أو هابطة به.
المال قد يكون هو الوحيد الذي يسأل صاحبه يوم القيامة عنه سؤالين من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ومن قل ماله سهل حسابه ومن كثر ماله تأخر لذلك شبه أحد الأسلاف الأخيار ذلك بمن يسافر مع آخرين بسفينة كبيرة فإذا ما وصلوا إلى الشاطئ قفز من خف متاعه إلى الأرض وسار، أما من ثقل متاعه وعفشه فسيتأخر في النزول والذهاب للحساب والإحصاء، فمن يجمع مالا ويعدده غير مبالى أمن حلال ام حرام همه تكثيره وأنبت جسده من سحت حتى اختلط حبه شغاف القلب مستثقلا الصرف منه حتى وصل الأمر الى منع الزكاة ظانا أن ماله خالد وحياته دائمة توعده الله بالحطمة وهي «نار الله الموقدة» وأبي لهب «ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى نارا ذات لهب» فهذه خاتمة من كان ماله غاية وكبرا وتجبرا لا وسيلة وتواضعا وتذللا.
وانطلاقا من قول عثمان رضي الله عنه «ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» فقد حددت عقوبات على المعتدين على الأموال العامة والخاصة سواء كان التعدي بالسرقة أو الاختلاس أو الرشوة أو استغلال النفوذ كتبرير القائل بأنه قد أهدي له فينطبق عليه ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن هذا ادعاؤه «أما جلس في بيت أمه أو أبيه ليرى أيهدى له أم لا»، فمثل هؤلاء لا يردعه الزجر والترهيب الوارد نصا بالقرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة وإنما يرتدع بالعقوبة الصارمة من سلطان الدنيا فيكون الردع خاصا للجاني وعاما لمن يفكر في أن يحذو حذوه فضلا عن تحقق المقاصد العليا للثقة بالدولة ومعاقبة الناخرين في أسسها.
ومن الردع ان استجوابات مجلس الأمة اغلبها ان لم يكن كلها أيا كان الوزير المستجوب لا تخلو صحيفة أيا منها من محور متعلق بهدر للمال العام بأشكال متفرقة وصور عدة.
لذلك يحق السؤال ما جدوى الاستجواب إن انتهى عند إقالة الوزير أو استقالته أو طرح الثقة به، وبقي الحال على ما هو عليه ولم يتعمق باستئصال ورم سوء المنهجية والعنجهية من بعض القيادات الضاربة بالقانون عرض الحائط، وذلك يكون بتشكيل لجنة تحقيق فيما تضمنه من محاور مع تفعيل ما تنتهي إليه او إصدار توصيات بحلول جذرية يتابع تنفيذها أو تعديل ما يكشفه الاستجواب من منافذ والثغرات في القوانين المطبقة ومنا إلى المخلصين الناصحين للبلد وأهله من أعضاء مجلس الأمة وغيرهم.
lawyer_albarazi@