نيويورك ـ أحمد عبدالله
وسط جهود ديبلوماسية حثيثة لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، طالب أمير قطر سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بوقف فوري لإطلاق النار في غزة حقنا للدماء، مشيرا إلى أن العدوان والحصار على غزة غير إنساني وغير اخلاقي واصفا اياه بجريمة حرب. الشيخ حمد، وفي مؤتمر صحافي، رأى أن الحرب على غزة سببها ممارسة الشعب الفلسطيني لخياره الديموقراطي، مشيرا إلى أن أهالي غزة الذين يصدون العدوان يشرفون الأمة. وأكد الشيخ حمد ان هول ما يجري يحتم على العرب التحرك، مضيفا أن من يتحرك عليه ان يعلم ان الدماء الفلسطينية امانة بيده، داعيا للتعاون من أجل وصول المساعدات إلى أهل غزة مباشرة، مؤكدا أن وقف اطلاق النار يجب أن يشمل رفع الحصار وفتح المعابر.
وجدد أمير قطر الدعوة لعقد قمة عربية طارئة، مشيرا إلى ان المجتمع الدولي لن يستمع للعرب ما لم تتوافر لديهم الإرادة.
وفي غضون ذلك دعا رئيس الوزراء الأردني نادر الذهبي لإعادة النظر في علاقات بلاده مع اسرائيل.
وقال الذهبي في كلمة ألقاها في جلسة مجلس النواب مساء امس إنه أمام ما يجري في قطاع غزة فان الحكومة تحتفظ بجميع الخيارات المتاحة امامها لتقييم العلاقات مع اي كان وخاصة اسرائيل واعادة النظر فيها وذلك من منطلق الحرص على المصلحة الوطنية العليا.
واضاف ان الحكومة تتعامل مع كل المعطيات والمستجدات من منطلق المصلحة الوطنية الأردنية وخدمة القضية الفلسطينية.
بدورها دعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية جميع الفصائل الى لقاء تشاوري في أسرع وقت ممكن، لدراسات كافة الخيارات، خاصة أن اسرائيل تستهدف الكل الفلسطيني في قطاع غزة ولا تستهدف فقط حركة حماس.
وذكرت وكالة «معا» الفلسطينية أن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبدربه أكد عقب انتهاء اجتماع اللجنة في مقر المقاطعة امس في رام الله، أن ما يحتاجه الفلسطينيون في هذه المرحلة الصعبة هي الوحدة الوطنية الداخلية وتمتين الجبهة الداخلية، داعيا حركتي الجهاد الإسلامي وحماس للانضمام لاجتماعات منظمة التحرير الفلسطينية من أجل رص الصفوف.
وفيما يتعلق بملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أكد عبد ربه أن المفاوضات لا يمكن أن تستمر ما دام العدوان الإسرائيلي متواصلا على قطاع غزة.
واستنكرت اللجنة ما جاء في بيان رئاسة الاتحاد الأوروبي حول الوضع في غزة، والذي أكد أن ما تقوم به اسرائيل في القطاع هو «دفاع» عن النفس وليس هجوما على القطاع.
وكانت اروقة مجلس الامن قد شهدت خلال الجلسة الطارئة لمناقشة العدوان الاسرائيلي على غزة مساء امس الاول شدا وجذبا متواصلا بين الولايات المتحدة وبقية الدول الاعضاء انتهى برفض مجلس الأمن الدولي مشروع بيان رئاسي تقدمت به المجموعة العربية يدعو لوقف الهجوم على غزة ويندد به.
وكانت ليبيا قد بدأت قبيل الاجتماع بتوزيع بيان مقترح صدوره عن رئيس المجلس يدين اعمال العنف في غزة ويطالب بوقفها ويطالب بوقف اطلاق النار فورا ودون شروط، وقال الوفد الليبي ان المسودة التي يوزعها والتي تتشكل من ثلاث فقرات فقط تقدم الى المجلس باسم المجموعة العربية ككل.
ورغم ان المسودة قد صيغت بحذر لتجنب استفزاز الولايات المتحدة ومن ثم استخدامها لحق النقض، فان الوفد الاميركي اعرب على اي حال عن رفض الولايات المتحدة للمسودة. ولم يكن اعتراض الوفد الاميركي موجها نحو المحتوى، انما انصب على الشكل. فقد كان الوفد الاميركي يرفض من حيث المبدأ ليس فقط اصدار قرار من المجلس وانما ايضا اصدار بيان رئاسي.
وقال رئيس المجلس سفير فرنسا في تصريحات للصحافيين بعد اجتماع مغلق وطارئ استمر نحو أربع ساعات إنه لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وأضاف جان موريس ريبير أن هناك تقاربا بين وجهات نظر الأعضاء بشأن ضرورة وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية.
من جهته، انتقد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة النيكاراغوي ميغويل ديسكوتو بروكمان بشدة فشل مجلس الأمن في وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وقال إن ذلك يسيء إلى صورة المجلس والأمم المتحدة.
وجاء رد بروكمان على سؤال بشأن ردة فعله على الهجوم البري الإسرائيلي: أعتقد انها بشاعة فائقة وليست هناك تسمية أخرى لذلك، ووجه انتقادات حادة لمجلس الأمن الدولي قائلا: مرة أخرى يراقب العالم وبفزع عدم فعالية مجلس الأمن جراء محاولات بعض الأعضاء حماية مصالحهم السياسية الخاصة.
وشدد بروكمان على ضرورة إجراء إصلاحات عاجلة في مجلس الأمن الدولي، قائلا إن عدم الالتزام بالقرارات الدولية يقف وراء العنف الذي يجتاح غزة.
من جهتهم، أفاد ديبلوماسيون بأن واشنطن رفضت إعادة البيان المقدم من ليبيا وأجهضته، مشيرين إلى أن أي بيانات تصدر عن المجلس يجب أن تكون بالإجماع.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ان أي وقف لإطلاق النار في غزة يجب أن يكون مشروطا بعدم العودة إلى الوضع الذي كان سائدا قبل الغارات الأخيرة التي بدأت منذ تسعة أيام.
وقد أعرب السفير البريطاني جون ساورز عن شعوره «بخيبة أمل شديدة» بسبب فشل المجلس الدولي في التوصل إلى اتفاق على بيان. وقال ديبلوماسي غربي إن سجالات عديدة دارت بين اعضاء مجلس الأمن لكنهم كانوا متفقين على «الجوهر ولكن ليس على الشكل».
واشار الى ان الولايات المتحدة لم تكن ترغب في التوصل الى «شيء» رسمي. لذا انتهى الاجتماع بملخص بسيط عرضه رئيس مجلس الامن على الصحافيين.
واوضح الديبلوماسي نفسه ان ليبيا اصرت من جانبها على صدور «اعلان من مجلس الامن الى الصحافيين على الاقل» اذ ان اي وثيقة رسمية تحتاج الى توافق الاعضاء الـ15 في مجلس الامن.
وشددت طرابلس على ان الوضع في غزة والهجوم البري الاسرائيلي عليها يبرران هكذا اعلان. واسف السفير الليبي جاد الله الطلحي للعجز في التوصل الى اتفاق، محملا الولايات المتحدة مسؤولية ذلك.
السجالات والمشاحنات لم تقتصر فقط على الاجتماع الطارئ لأعضاء مجلس الامن بل سبقته حيث وجه مندوبو اجهزة اعلامية اميركية سيلا من الاسئلة المستفزة الى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة ميغويل ديسكوتو بروكمان حول اسباب ما وصفوه بانحيازه ضد اسرائيل فنفى ذلك بهدوء الى ان سأله احدهم «من دعاك اصلا لحضور اجتماع مجلس الامن؟».
وقبل ان يجيب بروكمان رد مندوب قناة تلفزيونية عربية موجها حديثه الى الصحافي الاميركي الذي كان يمثل صحيفة نيويورك بوست قائلا «وما دخلك انت؟».
وبدأت مشادة كلامية بين الاثنين شارك فيها صحافيون عرب آخرون مما ادى الى انصراف بروكمان.
وبدا بعد ذلك ان اعضاء بالمجلس اثاروا قضية حضور بروكمان للجلسة مما دفع برئيس الجمعية العامة الى القول انه رئيس الجمعية العامة وان من حقه التواجد في اي مكان بالمنظمة الدولية.
وحين قال الفرنسيون انهم «تحدثوا» الى بروكمان قبل الاجتماع قال عضو بالوفد الاميركي ان جلسة المجلس غير رسمية وانها بالتالي غير مدرجة على جدول الاجتماعات الرسمية للمجلس «ولا يحق لاي دولة ان تدعو احدا الى مناقشات لا توجد اصلا على جدول الاعمال من الوجهة الفنية».
وبدا مرة اخرى ان مناخ التوتر بدأ يتسع في الامم المتحدة وليس فقط في الشرق الاوسط. وفي نحو الثامنة والنصف مساء قرر المجتمعون خلف الابواب المغلقة لمجلس الامن اخذ فترة راحة قصيرة.
وقال الديبلوماسي الفرنسي في اتصال هاتفي جرى معه في تلك اللحظات ان الوفد الاميركي يرفض البيان الرئاسي من حيث الشكل وان واشنطن تطلب حصر ردة فعل المجلس في «تصريح» يدلي به ريبير باعتباره رئيس المجلس.
وقبل الحادية عشرة بقليل رفع المجلس جلسته دون الموافقة على المسودة الليبية او اي مسودة اخرى.
وخرج رئيس الوفد الاميركي ليهاجم حماس فيما قال مندوب في الوفد المصري انه مستاء بسبب اتهامات بريطانية لمصر بالسماح بتهريب صواريخ الى غزة واكد ان الوفد لن يدع هذه الاتهامات تمر دون رد.
وهكذا مهدت الارض لنقل الامر الى الجمعية العامة لاسيما ان موقف بروكمان كان شديد التعاطف مع الفلسطينيين بعد ان فشلت كل الجهود ليس فقط في حمل المجلس على اصدار بيان ولكن في اقناع واشنطن بمجرد الاكتفاء ببيان رئاسي.
وبعد ذلك قرأ ريبير «التصريح» الباهت الذي اقره المجلس. ووصفت حماس ما جرى في مجلس الأمن بأنه «مهزلة» توضح مدى هيمنة أميركا واسرائيل على قراراته.
وقال المتحدث باسم حماس فوزي برهوم في تصريح له إن هذا الموقف (لمجلس الأمن) «يؤكد على انحيازه للاحتلال ويعطي عطاء وفرصة للاحتلال لاستكمال مجزرته في غزة».
وفي هذه الأثناء برزت خلافات أوروبية بين إدانة الهجوم البري الإسرائيلي على غزة والاكتفاء بانتقاده.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )