أسامة أبو السعود
عمر راشد
اكد المتحدثون في الجلسة الاولى لأنشطة المنتدى الاقتصادي والاجتماعي ضرورة احداث التكامل الاقتصادي بين الدول العربية التي تواجه ازمة انكماش اقتصادي حقيقي بسبب تحول الازمة المالية العالمية الى ازمة اقتصادية.
واشار الى ان زيادة الانفاق الاستثماري وترشيد النفقات قد يكونان من الامور المهمة في تقديم وصفة علاج حقيقية للازمة الحالية التي تواجهها الدول العربية.
وفي حديثه عن دور الرقابة في احداث توازن على النظم المصرفية والمؤسسات المالية رأى محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم العبدالعزيز ان هناك ضرورة حقيقية وماسة لتعزيز دور الرقابة على النظم المصرفية العاملة في العديد من الاسواق، لاسيما المرتبطة بمعاملات البنوك والاستثمار وصناديق التحوط والرهن العقاري، مشيرا الى ان المؤشر المركب لصندوق النقد العربي الذي يقيس اداء اسواق المال العربية مجتمعة تراجع في نهاية 2008 بنسبة 54.4% عن مستواه في 2007.
وتابع ان جذور الازمة المالية العالمية الراهنة ترجع أساسا الى التوسع المتسارع والمنفلت احيانا الذي شهدته انشطة القطاعات المصرفية والمالية في مختلف دول العالم خلال السنوات الماضية، خصوصا في اقتصادات بعض الدول المتقدمة.
غياب الضوابط
واضاف: ان هناك عدة عوامل ساهمت في اتساع حجم الازمة ابرزها قصور أو غياب الضوابط التي تحكم بعض المعاملات المالية في العديد من الاسواق، لاسيما المرتبطة بمعاملات بنوك الاستثمار وصناديق الاستثمار والتحوط ومؤسسات الرهن العقاري وشركات التأمين وما ترتب على ذلك من تنوع مذهل في الادوات المالية المتداولة وتوسع كبير في الاقتراض وبما يفوق الحدود المناسبة للرفع المالي للمؤسسات وبما يتعارض مع الأسس السلمية المتعارف عليها في منح الائتمان.
إلى جانب التخفيضات الملموسة في أسعار الفائدة، هذا بالإضافة الى قيام السلطات في العديد من الدول بتقديم الضمانات وضخ رؤوس أموال في البنوك، وتسهيل عمليات الدمج والاستحواذ للمؤسسات المصرفية والمالية، واستدرك أن تلك الجهود لم توقف تداعيات تلك الأزمة المالية وإفرازاتها السلبية التي بلغت أوجها في مطلع الربع الأخير من عام 2008.
وعلى اثر ذلك تشير التقارير الأخيرة الصادرة عن المنظمات الاقتصادية والمالية الدولية، ومن أبرزها صندوق النقد الدولي، الى تحول الأزمة المالية الى أزمة اقتصادية، حيث دخلت معظم اقتصاديات الدول المتقدمة بالفعل مرحلة الانكماش الاقتصادي، مع توقع تزايد معدلات البطالة، واستمرار الانخفاض في أسعار المواد الأولية، بما في ذلك أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال العامين المقبلين على الأقل، وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على اتجاهات النشاط الاقتصادي في الدول النامية ومنها الدول العربية بطبيعة الحال.
وأضاف ان هناك عدة عوامل ساهمت في تضييق نطاق تأثير الأزمة المالية العالمية على القطاعات المصرفية والمالية العربية، كان من أبرزها عدم وجود أزمة رهن عقاري، أو أزمة سيولة حادة، ومحدودية حجم التعاملات بالمشتقات المالية وتوريق القروض في الدول العربية كما هو عليه الحال في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الاقتصاديات المتقدمة.
وأكد المحافظ ان قطاعاتنا المصرفية والمالية العربية ليست بمنأى عن أي تداعيات سلبية افرزتها تلك الأزمة، وما قد تفرزها في المستقبل ايضا، خصوصا مع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة الركود والانكماش التي من المتوقع استمرارها لفترة غير قصيرة.
وأشار الى الأهمية الخاصة لنظم إدارة المخاطر في وحدات القطاع المصرفي والمالي وضرورة تطوير وتعزيز تلك النظم وفق أسس وضوابط حديثة.
وقال في تقديري ان تطوير نظم إدارة المخاطر ينبغي ان يتناول بالإضافة الى الجوانب التقليدية المرتبطة بمخاطر السوق، ومخاطر أسعار الفائدة والصرف، والمخاطر التشغيلية، ثلاثة جوانب إضافية أساسية وهي الحدود المناسبة للرفع المالي، والمواءمة بين الاستحقاق الزمني لكل من الموجودات والمطلوبات، والقدر الآمن من الانكشاف المالي على العالم الخارجي.
أزمة اقتصادية
من جانبه، أكد مدير عام صندوق النقد العربي د.جاسم المناعي ان القطاع المصرفي في البلاد العربية تأثر بدرجة أقل من المصارف الأجنبية، وهناك تأثر واضح للاستثمارات العربية في الخارج جراء الأزمة المالية العالمية.
وبيّن ان السيولة ونقصها في المصارف والمؤسسات المالية هو السبب المباشر للأزمة المالية ومن ثم تأثرت باقي القطاعات الاقتصادية في الوطن العربي ونتج عن ذلك انكماش واضح في عمليات الاقراض جراء الصعوبة في الحصول على السيولة اللازمة للوفاء بالتزامات المصارف تجاه العملاء سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات.
وأشار الى ان الفكر الذي كان سائدا حول رخص وسهولة الحصول على السيولة قد زال تماما بعد الأزمة المالية وأصبحت هناك صعوبات في الحصول على السيولة، فضلا عن تراجع في نسب الموارد الأولية لدى المصارف ما أدى الى تولد خوف من الاستمرار في منح القروض بنفس المعدلات السابقة، وذلك بسبب التهور الذي ساد القطاعات المصرفية العربية فيما يخص الإقراض غير المدروس.
وتابع بقوله: لقد أسهم انخفاض أسعار البترول وتراجع مستويات الطلب عالميا في بناء فكر عام لدى الأقطار العربية لخفض معدلات الإنفاق العام في موازناتها لتجنب حدوث أي عجوزات مالية في موازنة 2009/2010، كما ان هناك توجها عاما لدى الأنظمة العربية لتقليل الاعتماد على القطاع الحكومي في الانفاق على مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية من خلال إشراك القطاع الخاص وإعطائه زمام المبادرة.
وقال المناعي: لا ننسى ان الانكماش اثر على جوانب اخرى منها ضعف حجم التحويلات النقدية للعمالة في البلدان العربية وكذلك النشاط السياحي والتجارة البينية وجميع المرافق الحيوية والموانئ، ورغم كل هذه الامور وتراجع النمو في الاقتصاد العربي حسبما هو متوقع فإنه من حسن الحظ ان الدول والاقتصادات العربية تأثرت بصورة اقل مقارنة مع حجم الخسائر في الدول الاوروبية والاسواق الاميركية، وستتمكن الاقتصادات العربية من تحقيق معدلات نمو ايجابية، لكن ليس على مستوى الطموح والآمال العريضة لدى الشعوب العربية.
السياسة النقدية والمصرفية
واكد المناعي على اهمية التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المصرفية في البلدان العربية لتجنب حدوث اي انهيارات او هزات مالية مقبلة، وهناك مثال حي على ذلك، حيث انهارت مؤسسات مالية في بريطانيا بسبب غياب هذا التنسيق.
من جهته، استعرض رئيس الغرفة الاسلامية للصناعة والتجارة صالح كامل في ورقته حول الازمة المالية العالمية وكيفية مواجهتها، حيث اقر في بداية كلمته ان التعاملات الربوية كانت السبب الرئيسي في الازمة المالية العالمية، اضافة الى عولمة المعاملات المالية ما ادى إلى حدوث ازمة مالية في جميع المؤسسات المالية.
وقال: آن الاوان للدول العربية ان تأخذ لنفسها منهجا وسطيا يقوم على اعمدة اساسية وهي حرية الافراد في امتلاك وادارة لمراحل الانتاج واتاحة المجال لهم للابتكار والابداع وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد في حال تعارضهما والاستغلال الامثل للموارد المتاحة.
واكد ان المنهج الوسطي المتوازن هو الذي سيمكننا من ادارة اقتصاد بلا ازمات ويطلق طاقات المبدعين ويلجم نزوات المتلاعبين.
واضاف ان اي نظام اقتصادي يجب ان يستند الى قاعدة من الاخلاق والقيم والمبادئ السامية حتى تحقق التوازن المطلوب بين اطراف النشاط الاقتصادي افرادا ومؤسسات وتمنع التظالم والاعتداء على حقوق الغير، وبالتالي يمكن تجنب كثير من الآثار السالبة الناتجة عن سعي كل متعامل الى تحقيق مصلحته الخاصة على حساب المجتمع في عمومه او هضمه لحقوق اطراف التعاقد الاخرى او جعل الصدف والحظ والاحداث العابرة معيارا لقسمة النتائج، وبالتالي ينشأ التوازن المطلوب بين المنتج والمستهلك، وبين المؤجر والمستأجر، وبين الممول والمتمول وبين العامل وصاحب العمل.
وبدورها اشارت نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في البنك الدولي دانييلا جيرساني الى ان الأزمة المالية العالمية كانت ذات تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي بأسره بما فيها الدول العربية.
وقالت ان تلك الدول عليها ان تستجيب لآثار الأزمة وتعدل من مواقفها ولابد ان يكون هناك تنسيق في الجهود بين الدول العربية لتفادي حدوث الأزمة.
وأوضحت ان قدرة البعد عن تحمل آثار الأزمة المالية العالمية تتوقف على تشجيع الانفاق الخاص في الأجل القصير، كما يجب العمل على امكانية تغيير نمط الأسواق الداخلية في الدول العربية.
ونبهت الى ضرورة احداث تكامل بين الاقتصادات العربية التي ستكون لها نتائج مثمرة خاصة باتخاذ سياسات تجارية من شأنها تعزيز الانفاق والتخلص من معدلات الفقر والتخلف الذي تعاني منه الدول العربية.
وقالت على البنك الدولي ان يعمل على تحقيق التواصل مع مسؤولي الاقتصاد في الدول لعبور حجم الأزمة بأمان.