عبدالحميد الخطيب
الحلم أصبح حقيقة، وعرضت «أوبرا ديرة.. نبقى كويتيين»، المنارة الفنية الجديدة التي تضاف إلى إنجازات وريادة «درة الخليج» التاريخية، عاكسة مدى الحب والتضامن بين أهل الكويت الذين يبذلون الغالي والنفيس من اجل رفعة وطنهم، فكانوا رهن الإشارة، إشارة التضحية من أجل الوطن، إشارة الولاء والحب لـ«قائد الإنسانية» صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد.
أرواح الشهداء الأبرار كانت ترفرف، مساء أمس الأول على مسرح صباح السالم بجامعة الكويت في الخالدية، أثناء تقديم أول أوبرا كويتية التي اقيمت برعاية سمو الأمير، فالصورة غير نمطية، وأمجاد الشهداء وبطولاتهم حاضرة، في مشهد هز الوجدان واستعاد ذكريات الغزو الغاشم، فكان التأثر والبكاء سيدي الموقف.
استلهمت «أوبرا ديرة» سطورها من قصص شهداء الكويت، خصوصا سيرة الشاعر الشهيد فايق عبدالجليل وملحمة استشهاده، حيث دارت أحداثها في 4 فصول درامية نقلت المعنى الحقيقي للتضحية من اجل الوطن، وروت التضحيات والبطولات من أبناء الكويت، ورغبتهم في صناعة المجد ومقاومة المحتل.
يبدأ الفصل الأول بعرض سينمائي للكويت قديما، في فترة ما قبل الغزو العراقي الغاشم، يوازيه قيام احد الأشخاص بالإعلان عن مسابقة عمل نشيد لـ «دانة الخليج» ويكون نشيدا كويتيا جديدا، فيتقدم عدد من الشباب، ويقوم احدهم بإلقاء أبيات من النشيد الوطني: «بوركت يا وطني الكويت لنا.. سكنا وعشت على المدى وطنا.. يفديك حر في حماك بنى.. صرح الحياة بأكرم الأيدي»، وتصاحبه مجموعات استعراضية، ، وهم ينشدون: «الشعب الكويتي لك البشرى.. ومجدك يا وطني ازدهر.. وطال سعدك مبتسم».
وفي الفصل الثاني يقدم النجمان خالد أمين ومحمد الحملي أحاسيس مختلطة بين حب الوطن والحبيبة «دانة» التي كانت تنعم بالأمن والأمان وحياة البر والبحر، حتى جاء جارها «الطوفة بالطوفة» وعكر صفو حياتها، لكنها واجهته بالرفض.
ويأتي الفصل الثالث بمشهد لعلم الكويت يرفرف، وبجواره المحتل الغاشم يخطط وينصب شباكه ليقفز على الكويت، فباغت أهلها وسرق ونهب من خيراتها وأسر أبناءها، الذين فوجئوا بما يحدث من خراب لوطنهم، فتظهر الأصوات المنددة بالغزو، تصرخ: لابد من تحرير بلدنا، فكويتنا أمانة، ومفتاح الديرة في كل قلب. كان رفض الكويتيين في أول درس شديدا، اجتمعت الإرادة وتوحد الشعب رجالا ونساء بجميع طوائفه لمواجهة الطغاة وتخريبهم.
يزداد الحصار، فلا تموين ولا بنزين ولا حياة، ويزداد في المقابل إصرار الكويتيين على استرداد بلدهم وإزالة الهم والكدر عنه، ومع روح الحماس الوطنية، توزع النشرات التي تحض على المقاومة ضد المحتل الغاشم وتخرج مظاهرات لاستعادة الشرعية الكويتية.
وفي الفصل الرابع والأخير، يتقدم «فارس» حبيب «دانة» للزواج منها لكنها ترفض الارتباط به إلا بعد انتهاء الغزو، وتدعو الله ان يحرر بلادها، وتتخذ المقاومة بعدا جديدا، ويجتمع الشباب وهم يهتفون: «تحيا الكويت.. عاش الأمير»، كلمة واحدة وصف واحد، وأعلنوها ثورة ضد الظلم والاحتلال، نادوا الموت في حب الكويت، رفضوا الخضوع فكان صوت الحق اقوى من المدفع، وتعود الكويت «درة الخليج» بعد المحنة اقوى مما كانت تحت قيادة آل الصباح وبحكمة القائد الإنساني الشيخ صباح الأحمد، وينشد الجميع في النهاية السلام الوطني.
الجدير بالذكر ان عددا كبيرا من الشخصيات السياسية والفنية والديبلوماسية كانت حاضرة لـ «أوبرا ديرة.. نبقى كويتيين»، منها: وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ علي جراح الصباح، وزير الإعلام و«الشباب» الشيخ سلمان الحمود، وكيل الإذاعة الشيخ فهد المبارك، العملاق عبدالحسين عبدالرضا، محمد المنصور، حسين المنصور، أمل عبدالله، عواطف البدر، د.محمد الديهان عميد معهد الموسيقى، طالب الرفاعي، الشاعر علي المعتوق.
وشارك في بطولة الجانب الدرامي من الأوبرا: خالد أمين ومحمد الحملي وغدير السبتي وعبدالله الزيد وعدد آخر من الفنانين والمطربين من المعهد العالي للموسيقى، وقاد الفرقة السيمفونية المايسترو البلجيكي ايشتاين سافينيز.
بذرة تحتاج إلى رعاية
هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها أوبرا في الكويت، ولم يكن مفاجأة ان يكون مستواها عاليا وعالميا، لاسيما ان الاستعدادات لها مستمرة منذ أكثر من 7 أشهر بمشاركة نخبة من أبناء الكويت الأوفياء الذين يحاولون نشر هذا الفن وتقديم الأوبرا بمضمون كويتي خالص.
ومن الأمور الإيجابية في هذا الحدث الضخم، الاعتماد على عناصر خارجية ذات خبرة طويلة في هذا المجال، والتي أثرت العمل بإبداعاتها وتركت بذرة تحتاج للرعاية لتنبت وتخرج لنا أجيالا من الشباب الكويتي المحب لهذا الفن.
ان «أوبرا ديرة » نقلت الفن الكويتي إلى جوانب أخرى من الإبداع وترجمت مدى حب الكويتيين لوطنهم واعتزازهم بتضحيات الشهداء، ورغم انها تجربة أولى الا انها كانت أوبرا ناجحة بكل المقاييس، ونتمنى ان تستمر وتكون حدثا سنويا يضاهي مع الوقت الأوبرا العالمية وتستقطب محبي هذا الفن من جميع أرجاء الدنيا.
علي الجراح: «أوبرا ديرة» تخليد لذكرى الشهداء
قال نائب وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ علي الجراح، في كلمة له: ستظل ذكرى شهداء الكويت محفورة في قلب كل كويتي بحروف من نور، فهم من فدوا وطننا الغالي بأرواحهم، وهم المثل الأعلى في التضحية.. وهم من وهبوا لنا الحياة، وصانوا بدمائهم كويتنا الحبيبة.. كويت العز والطيبة، وقد قال تعالى في محكم آياته: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)، ولهذا فإنه لا مكانة تداني مكانة الشهيد، ولا معنى أسمى من معنى الشهادة.. في سبيل الوطن.
وتابع الشيخ علي الجراح: لا يدخر الديوان الأميري، ومكتب الشهيد أية فرصة لتخليد ذكرى شهدائنا الأبرار، بإقامة النصب التذكاري، وتكريم أبنائهم الفائقين، وغيرها من الأعمال التي تستبقيهم نبراسا مضيئا للأجيال القادمة، واليوم ونحن نحتفل بتدشين «أوبرا ديرة.. نبقى كويتيين»، نضاعف من صور التكريم والتذكير بمآثر شهدائنا وسيرهم العطرة، ونستحضرهم عبر الفن والإبداع، فالأمم الحية لا تتوقف عن استلهام بطولات رجالها ونسائها في شتى المجالات، وإننا وبتوجيهات من صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ نواف الأحمد، وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، سنواصل بتوجيهاتهم المسيرة في تخليد ذكرى شهدائنا الأبرار.
فاطمة الأمير: «ونبقى كويتيين»
لم تخف الوكيل المساعد بالديوان الأميري المدير العام لمكتب الشهيد فاطمة الأمير سعادتها بالإنجاز الكبير «أوبرا ديرة»، وقالت: «ونبقى كويتيين».. وتبقى الكويت دار الأمن والأمان، دار العز والوفاء، هكذا كتب الشهداء بدمائهم على ثراها الطاهر، كتبوا لها النصر والحرية والكرامة، وفدوها بأرواحهم الطاهرة، فحق لنا أن نحتفل اليوم، وكل يوم، بشهداء الكويت الأبرار، خاصة إذا تزامن ذلك مع احتفالاتنا بأعيادنا الوطنية، ونحن دائما وأبدا في مكتب الشهيد لا نتردد في تخليد ذكراهم ومآثرهم واستذكار بطولاتهم.وتابعت: من هنا كانت المبادرة الفنية «أوبرا ديرة.. نبقى كويتيين»، مؤكدة أننا إلى الأبد، سنبقى كويتيين، ويدا واحدة لأجل الكويت وقيادتها الحكيمة، ويشرفنا ويسعدنا أن تكون تلك المبادرة من إعداد وتنفيذ الأساتذة المختصين بعمل «أوبرا ديرة»، وبإشراف كامل من الديوان الأميري ومكتب الشهيد.
وأضافت: لا يسعني إلا أن أرفع أسمى آيات الشكر وعظيم الامتنان إلى صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، على رعايته السامية لهذا العمل الفني والوطني، آملين أن نواصل مسيرتنا في تخليد ذكرى شهدائنا وأسمائهم وبطولاتهم، في مدارسنا، وشوارعنا، وفي إبداعاتنا الفنية، تحت ظل راية صاحب السمو الأمير، وولي عهده الأمين سمو الشيخ نواف الأحمد، وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، مواصلين بتوجيهاتهم المسيرة في تخليد ذكرى شهدائنا الأبرار.