- «صخر» انطلقت من الكويت واستقطبت الأدمغة والعقول المميزة في مختلف البلدان العربية واستطاعت أن تخطو نحو العالمية
- عام 1982 شهد إطلاق أول برامج العربية في الكمبيوتر ثم تطوير برنامجي القرآن والحديث الشريف سنة 1984
- نحن بحاجة إلى إطار مؤسسي بميزانية لا تقل عن 200 مليون دولار تقدمها صناديق الإنماء لدعم اللغة العربية وعملية تدريسها والحفاظ عليها
- خلال وجودي في الغرب خلال الثمانينيات أزعجني كثيراً أنهم يدرسون العربية بالعامية فرأيت ضرورة تحديث الفصحى «Modern Standard Arabic»
- وجدت أن الحل في مواجهة الإهمال الذي تعاني منه اللغة العربية يكمن في التكنولوجيا الحديثة ونجحت في تقليص فجوة تفوق تقنية المعلومات الإنجليزية على مثيلتها العربية
- نفّذنا المعجم الحديث للغة العربية المستخدمة في هذا العصر مع كل المصطلحات الجديدة ويمكن تطويره باستمرار
- جديدنا تدشين أرشيف المجلات الثقافية والأدبية العربية والذي يشتمل على كل المجلات التي أصدرت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى سنة 2010 ويضم حتى الآن ما يزيد على مليون صفحة
- دون إرادة سياسية حازمة ستظل مشاكل تعليم واستخدام العربية قائمة
- اخترت اسم «صخر» من المثل الشائع «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر»
- عدم وجود دعم حكومي اضطرنا إلى الاعتماد على التمويل من الاستثمارات الخاصة
إذا سئلت يوما عن أول من أدخل اللغة العربية إلى الكمبيوتر، فلا يجوز لك أن تدعي الجهل، بل عليك أن تبحث وتمحص لأن معرفته أقل العرفان بالجميل له.
قلة يعرفونه وكثر يجهلون ما قدمه للغتنا، نتعامل اليوم مع الكمبيوتر باللغة العربية، نسأله فيجيب ونأمره فيستجيب دون أن نسأل انفسنا من أعطانا هذا الحق وحرث بذور هذه المعرفة، إنه وبكل فخر واعتزاز الكويتي محمد عبدالرحمن الشارخ.
نعم محمد عبدالرحمن الشارخ.. أبو اللغة العربية في الكمبيوتر كما يلقب، إنه «صخر» الكويت الذي تحدى جميع الصعاب ليصل إلى إدخال لغتنا إلى الكمبيوتر في بداية الثمانينيات، واستطاع بعد ذلك أن يطوع التقنيات الحديثة في خدمتها فكانت برامج القرآن الكريم والحديث الشريف في أواسط الثمانينيات ثورة في عالم الحواسيب بعد أن أسس شركته «صخر» الإلكترونية.
وبذلك يعتبر محمد عبدالرحمن الشارخ اسما كبيرا في عالم الحاسب الآلي، فهو وإن كان لم يخترعه الا انه أجبره على التحدث بلغتنا وفهم قواعدها وتركيباتها عبر برامج متطورة أدخلت العربية إلى التكنولوجيا من بابها الواسع.
«الأنباء» وبشخص رئيس تحريرها الزميل يوسف خالد المرزوق تشرفت بتكريم الشارخ لما قدمه من جهود في خدمة اللغة العربية والعالم العربي في المجال التقني، وذلك بحضور نائب رئيس التحرير الزميل عدنان الراشد ومدير التحرير الزميل محمد الحسيني ونجل المكرم السيد فهد الشارخ.
وعلى هامش التكريم وفي لقاء صحافي تحدث الشارخ عن بداياته والصعوبات التي واجهته وجهوده في خدمة اللغة العربية والوطن العربي.
وفيما يلي التفاصيل:
أجرت اللقاء: دارين العلي
بداية نود أن نعرف من أين أتتكم فكرة تعريب برامج الكمبيوتر وإدخال العربية إليه؟
٭ مع أنني لست من أهل اللغة ولكنني من المدافعين عن اللغة العربية الفصحى الحديثة، لغة هذا العصر، لغة الجرائد والمجلات والإنترنت والفضائيات، وصار واجبا، وبما أن لغتنا الفصحى لا أب لها، وبحكم قربي من أمور التنمية والتقنية الحديثة وتنقلي بين عدد من المناصب وزيارتي لجميع الدول العربية عرفت عن قرب مدى صعوبة التنمية لاسيما الثقافية منها، وحرصت على حضور المؤتمرات والندوات المتعلقة باللغة العربية، وعجبت ومثلي كثيرون، عربا وأجانب، من عدم وجود اهتمام لدى الحكومات العربية بأمور اللغة رغم التوصيات المتكررة في مؤتمرات سياسية قادرة وراغبة في اتخاذ القرارات المناسبة، وأدركت أن السبب يعود لعدم وجود رؤية لحلول عملية، وكان منطقيا في الثمانينيات من أن أتوصل إلى أن الحل لا بد أن يأتي عن طريق التكنولوجيا الحديثة، فبدأت العمل فعلا على ذلك دون تأخير.
فلنتحدث أولا عن «صخر» والبدايات وصولا إلى ما عليه اليوم؟
٭ أنشئت «صخر» كشركة تابعة للشركة العالمية للإلكترونيات في بداية الثمانينيات وكانت بدايتنا بالاستثمار في برامج الألعاب الإلكترونية «الأتاري» وفي عام 1982 اتجهنا نحو إصدار البرامج التعليمية على الكمبيوتر تحت اسم «صخر أم أس إكس» ولقي هذا المشروع نجاحا على المستوى العربي، ما دفعنا إلى تطويره تحت اسم «صخر بي سي» على الرغم من معارضة المستشارين لهذا الاسم، بعدها أصبحت كلمة «صخر» مقرونة باسمنا وبالعالمية بعدما نالت القبول واكتسبت الشهرة في العالم العربي، واختيارنا لهذا الاسم جاء من المثل الشائع «العلم في الصغر كالنقش في الحجر» وهو ما أوحى لنا بأن «الصخر» ربما كان الرمز المناسب لمشروعنا وقد نجح المشروع بشكل كبير وبيعت مئات الآلاف من الأجهزة والبرامج والتطبيقات التي أنتجتها شركة صخر للبرمجيات وقد قمنا بتطوير جيل جديد من تقنيات المعالجة الطبيعية للغة العربية «ان ال بي» ونجحنا في تقليص فجوة تفوق تقنية المعلومات الإنجليزية على مثيلتها العربية، ما أدى الى تصحيح الاعتقاد الخاطئ بأنه لا يمكن تطويع الحلول المتطورة في الغرب لتناسب احتياجات المستخدمين العرب، حيث يعتبر محرك الترجمة الذي طورته «صخر» ركيزة أساسية في أهم ثلاثة برامج عربية NLP، مجال المعالج الطبيعي للغة العربية وبوابة عجيب والترجمة من العربية إلى الإنجليزية، وبالعكس.
بدأت بتقنية حديثة وهي اللسانيات الحاسوبية Computational Linguistics التي لم تكن تدرس آنذاك في الجامعات العربية.
كيف حققت هذا المشروع وما الخطوات التي قمت بها خصوصا أننا ندرك صعوبة اللغة العربية وتشعبها؟
٭ بداية اخترت تقنية حديثة لم تكن تدرس آنذاك في الجامعات العربية وهي اللسانيات الحاسوبية Computational Linguistics، جمعت فريقا من اللغويين ومهندسي النظم والمبرمجين في الكويت أولا ثم خلال الاحتلال العراقي للكويت نقلته إلى القاهرة، كما قمت بإرسال المختصين في دورات وورش عمل ومؤتمرات للتعلم والتدرب والاطلاع على ما في الغرب من تقدم في تقنية اللسانيات، كما قمت بإرسال حملة الدكتوراه من الشباب العرب الذين استقطبتهم للعمل معي للدراسة في الجامعات الأميركية للتعمق بهذا العلم ونقل خبرة لغات أخرى لها سمات فريدة كالألمانية والعبرية والاستعانة بخبراتهم ومهاراتهم المتعلقة باستخدام اللغة في الكمبيوتر، وبدأنا العمل على فرع من هذا العلم هو معالجة اللغة الطبيعي «Natural Language Processing» الذي يسعى لجعل الكمبيوتر يفهم كما الإنسان القراءة والنطق والترجمة، ولما كان الكلام ويفهم بالنحو والسياق فكان لا بد من اختراع تقنيات يستطيع الكمبيوتر بواسطتها فهم اللغة العربية ذات السمات الخاصة التي لا تتوافر في لغات أخرى وليس لها حلول جاهزة نستوردها من الغرب، فطورنا المحلل الصرفي سنة 1982 وبذلك استطعنا تطوير برنامج القرآن الكريم وبرنامج الحديث الشريف للكمبيوتر لأول مرة سنة 1984 لنختبر به دقة هذه التقنية، ثم طورنا المدقق الإملائي سنة 1990، ثم برنامج للتعرف الضوئي على الحروف «OCR» سنة 1994 والتشكيل الآلي سنة 1996 وبعد ذلك النطق الآلي والقراءة الآلية للنصوص بالعربية الفصحى الحديثة سنة 1998 ثم الترجمة من والى العربية سنة 2001 وأخيرا ترجمة التخاطب الآلي «Person To Person Translation» سنة 2010 وبعد ذلك توجهنا لتطوير منتجات كالمشكل الآلي الذي ترونه اليوم، أما المعجم الحديث فقد استمر تطويره لما يزيد على 10 سنوات تمت بواكيره سنة 2013 كما ترونه اليوم، وقد أمكن تطوير هذه المنتجات من خلال بناء ذخيرة لغوية حديثة يزيد عدد مفرداتها والتي ترد ضمن سياقات مختلفة لدى كتاب مختلفين من بلدان مختلفة وفي معارف مختلفة على مليار مفردة، وتم تصنيف هذه الذخيرة حسب متطلبات هذا العلم الجديد وتقوم على أرشيف الجرائد اليومية والمواقع الإلكترونية، فمنذ سنة 2005 ونحن نجمع يوميا جميع الجرائد والمجلات وكذلك المواقع الأدبية والثقافية من الإنترنت ومن البرامج الوثائقية والثقافية والإخبارية على الفضائيات من جميع البلاد العربية بما مجموعه 250 موقعا، نحفظها ونصنف مفرداتها ونغربلها إلى أن تصبح بشكلها الذي نطلق عليه الذخيرة اللغوية، واستخلصنا المكنز المرمز «Tagged Corpus» لـ 7 ملايين كلمة تم فك لبسها الصرفي والنحوي يدويا عن طريق قسم الكلم الخاص بكل كلمة والحالة الإعرابية لها ومنه استخلصنا 45 ألف مدخل معجمي معاصر بحوالي 70 ألف معنى بما في ذلك التراكيب، وقد حرصنا على تسجيل حقوق هذه التقنيات بالحصول على ثلاث براءات اختراع في OCR والترجمة الآلية والنطق العربي من هيئة الاختراعات بالولايات المتحدة وهو الأمر النادر ليس على مستوى اللغة العربية فحسب، بل على مستوى البحث والاختراع العربيين.
ولو أردنا الحديث عن الصعوبات التي واجهتكم في مسيرتكم نحو العالمية في هذا الشأن العلمي والوطني في آن معا؟
٭ أولا أود أن أقول إنني أشعر بالفخر لأن الشركة التي انطلقت من الكويت واستقطبت الأدمغة والعقول المميزة في مختلف البلدان العربية استطاعت أن تخطو نحو العالمية، وان تكرس مكانتها الريادية في حقل تقنية المعلومات العربية من خلال رؤية مستقبلية تعي أهمية ردم الفجوة الرقمية بين من يمتلك الوسيلة والقدرة على استخدام احدث ما توصلت إليه تقنية المعلومات، والآخر الذي لا يمتلك الوسيلة أو القدرة على استخدامها.
وقد حققنا ذلك على الرغم من كل الصعوبات والتحديات التي واجهتنا حينها والمتمثلة بعدم وجود دعم حكومي، ما اضطرنا إلى الاعتماد على التمويل من الاستثمارات الخاصة، ومع الاحتلال العراقي ونقل الشركة من مقرها في الجابرية إلى مصر واستغلال الشركات العالمية لوضع الشركة وقتذاك واستدراجها للعقول العربية التي قامت بتعريب برامج «صخر»، إلا أن كل هذه المعوقات لم تثنينا عن القيام بما نطمح إليه في هذا المجال.
وما المشروع المقبل للشارخ في عالم اللغة والكمبيوتر؟
٭ نحضر حاليا لتدشين أرشيف المجلات الثقافية والأدبية العربية والذي يشتمل على كل المجلات التي أصدرت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى سنة 2010 والذي يحتوي حتى الآن على ما يزيد على مليون صفحة وفي ازدياد، ويمثل هذا الأرشيف ذاكرة عربية ثقافية «Digital» لحفظ هذه المجلات بشكل عملي أحسن من الحفظ الورقي، ويسهل على الدارسين والباحثين والمؤرخين البحث في عدد معين من مجلة معينة في سنة معينة أو في مقالات كاتب معين في كل هذه المجلات، وبهذا الشمول فإن الذخيرة تغطي الكتابة في كل الدول العربية وفي مختلف المواضيع الحديثة.
ذكرت في مداخلة لك خلال أحد المحافل العربية أن عدم توافر معجم عربي حديث يؤدي الى ابتعاد الجيل الجديد عنها وبالتالي ضعفها، فكيف تشرح لنا ذلك؟
٭ اللغة العربية هي اللغة الوحيدة بين اللغات الحية التي ليس لها معجم حديثModern Arabic Dictionary، فالمعاجم العربية صنعت منذ زمن بعيد، وكان أولها معجم العين للخليل، ويعتبر أول معجم في العالم، وقد صدرت معاجم عربية عديدة منذ أوائل القرن العشرين كلها مشتقة من المعاجم القديمة أو مبنية عليها.
وبالطبع لن تجد فيها معنى معاصرا لمفردات مثل شعب، مواطن، حقوق الانسان، علمانية، اخونة، ناهيك عن مسميات المستحدثات الجديدة والألفاظ التقنية والعلمية، المعجم الحديث هو معجم للغة المستخدمة اليوم لغة هذا العصر، ويمكن تنفيذه لان تقنيات الكمبيوتر جعلت عمله ممكنا، وكما تعلمون فإن علاقتنا باللغة العربية يسودها الماضي بينما علاقة الأوربيين وغيرهم يسودها الحاضر والمستقبل، وليس هذا بسبب فقر اللغة العربية، وهي ثرية ومرنة وقادرة على استيعاب المفاهيم المعاصرة، بل بسبب اعتبار القديم هو الجوهر والأساس، والمعجم ليس ثابتا بل حركة مستمرة، وقد قمنا بتنفيذ معجم حديث هو أساس يسهل تطويره وتنقيحه وزيادته، في الغرب المعاجم تضاف لها الكلمات والتعبيرات والمصطلحات الجديدة كل يوم.
وما هذا المعجم؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ وماذا قدم لمستخدمي اللغة العربية عبر الحاسب الآلي؟
٭ كما تعرفون فإن مستخدم المعجم العربي اليوم يواجه ثلاث صعوبات هي معرفة الجذر ليتوصل للمعني، وهذه تم حلها تقنيا، ففي هذا المعجم يمكن التوصل للمعنى دون الحاجة لمعرفة الجذر، فالكمبيوتر يقوم بذلك والصعوبة الثانية تتمثل في وجود مفردات قديمة غير مستخدمة الآن وعدم وجود مفردات حديثة لها، وهذا ما قمنا بتجاوزه باعتماد المفردات المعاصرة فقط، والثالثة تتمثل في استخدام المعاجم للغة شرح قديمة، وهذا ما تجاوزناه باعتماد لغة بسيطة واضحة لا تحوي كلمات قديمة تعتمد على أمثلة حديثة يتم استخدامها الآن لا تزيد على عشر كلمات موثقة من مصادر حديثة، أما المكنز فقد تمكنا بطريقة إحصائية آلية استخراج الكلمات الأكثر استعمالا ونسبة الاستعمال لكل منها، ثم استخرجنا المعاني التي جاءت في السياق لهذه المفردة بالطرق الإحصائية الآلية وتحديد المعاني الأكثر تداولا ونسبتها لمجموع التداول.
نلاحظ أن اللغة العربية تتراجع في بلادها، إذ يجد أبناؤنا صعوبة في تعلم العربية، فما أسباب ذلك برأيك؟
٭ صحيح، وهذا الأمر يعود لعدد من الأسباب، أولها ضعف التكوين المهني لمدرسي هذه المادة، ما يتطلب إنشاء معاهد ذات تدريب عال لتدريب مدرسي العربية ووضع المناهج ووسائل الإيضاح والأدوات التي تتيحها التقنيات الحديثة للتعليم ومثل هذه المعاهد تحتاج لتمويل مادي وإدارة مهنية.
كما أن عدم توافر المناهج ووسائل الإيضاح الحديثة والادوات المساعدة مثل المحلل الصرفي، والمشكل الآلي، والمدقق الاملائي، والناطق الآلي وغيرها يصعب الأمور على الطلبة، وأرى أنه كما يستخدم الطلبة اليوم الحاسبات لإجراء العمليات الحسابية يمكنهم استخدام أدوات التقنية الحديثة لإتقان اللغة العربية، وليكن تعليم العربية في المدارس كما في تعلم اللغة في الغرب مركزا على القراءة والفهم وعلى أساليب الكتابة وفنونها، ولكن مع الأسف يقتصر تعليم اللغة العربية على النحو والصرف وعلى عدد محدود من القواعد الأساسية.
أبناؤنا يعانون من تعلم الإعراب وفي الغالب يجدون صعوبة كبيرة تجعلهم، إلا ما ندر، يكرهون تعلم العربية، وبهذه الأدوات المساعدة سيسهل عليهم استخدام العربية الفصحى الحديثة.
وما الحلول التي ترونها مناسبة ويمكن من خلالها التوصل إلى رفع شأن اللغة العربية والتشجيع على دراستها؟
٭ أود أن أقول انه دون إرادة سياسية حازمة ستظل مشاكل تعليم واستخدام العربية قائمة، إذا فلابد من إنشاء مؤسسة لهذا الغرض وأول المستلزمات هو توفير الميزانية الوافية، فأساتذة اللغة والمهتمون بتطويرها متوافرون لكننا بحاجة إلى إطار مؤسسي وهذا لا قيمة له ان لم تتوافر له الميزانية الوافية، دون ميزانية كبيرة ستنتهي هذه المؤسسة لما انتهت اليه مجامع اللغة العربية والمؤسسات الثقافية العربية المشتركة ومراكز التعريب، فالمال المتوافر لهذه المؤسسات لا يتجاوز حدود مرتبات موظفيها المحدودين، كما أن المرتبات قليلة مقارنة بما يحصل عليه سماسرة العقار مثلا أو الحراس الشخصيون للمسؤولين، ولذا فمن المهم باعتقادي ألا تقل الميزانية عن 200 مليون دولار تقدمها صناديق الإنماء العربية تسدد على خمس سنوات، وبهذه الميزانية يؤسس معهد لتدريب المعلمين يدرب سنويا عددا من المعلمين يقومون بدورهم بالتدريب ببلدانهم، كما يؤسس مركزا لإعداد التقنيات ووسائل الإيضاح الحديثة الخاصة بتعليم العربية، ولنا في برنامج «افتح يا سمسم» في الثمانينيات نموذج لما يمكن عمله.
وكيف تنظر إلى مستقبل اللغة العربية خصوصا في ظل الهجمات المتكررة عليها سواء من الداخل والخارج؟
٭ إنني متفائل بالرغم من كل المعوقات وإلا لما عملت طوال هذه المدة، فأنا أدرك ان الزمن بجانب العربية، فاليونسكو تحتفي باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام، ودبي أشهرت جمعية حماية اللغة العربية، وفي الرياض هناك مركز الملك عبدالله للنهوض باللغة العربية، وفي قطر المنظمة الدولية للنهوض باللغة العربية، ربما سيقول المتشائم انها هبات وستخمد، ولكن أنا لا أظن ذلك، اعتقد أنها بذور صالحة ومع الصبر والمثابرة ستنمو.
الشارخ في سطور
هو ابو اللغة العربية في الكمبيوتر كما يطلق عليه، حيث يرجع له الفضل في إدخال اللغة العربية إلى الحواسيب لأول مرة في التاريخ في حقبة الثمانينيات.
ولد محمد الشارخ في مدينة الكويت سنة 1942، وهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة صخر لبرامج الحاسب - التي تأسست عام 1982 - كشركة تابعة لمجموعة شركات «العالمية»، خصص الشارخ كل جهوده لبنائها منذ عام 1980.
حاز على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة القاهرة كما حصل على درجة الماجستير في التنمية الاقتصادية من كلية وليامز بولاية ماساتشوسيتس.
تولى الشارخ عددا من المناصب المهمة بالقطاعين العام والخاص، فعين نائبا لمدير صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية في الفترة من 1969 إلى 1973، ثم نائبا للمدير التنفيذي بالبنك الدولي لإعادة البناء والتنمية بواشنطن منذ 1973 وحتى 1975، قبل أن يؤسس ويترأس مجلس إدارة البنك الصناعي الكويتي منذ عام 1975 وحتى 1979.
أنشأ الشارخ شركة صخر في عام 1982 كشركة كويتية تابعة للشركة العالمية للإلكترونيات، مستعينا بالعالم المصري د. نبيل علي لوضع أسس وقواعد اللغة العربية ومكننتها بالحاسوب.
ويعتبر كمبيوتر صخر من أوائل الحاسبات التي تستخدم اللغة العربية
اعتمد في مشروعه على الكفاءات العربية، وراهن على قدرة هذه العقول على إنتاج برامج ذات كفاءة عالية.
وكان من الداعين الى دعم خريجي الجامعات العربية من الشباب وتوظيفهم وإغرائهم برواتب عالية كمتخصصين في علوم الكمبيوتر، وتحولت «صخر» الى ما يشبه الجامعة العربية المصغرة، بصورة حضارية.
رؤى وأقوال:
للشارخ عدة رؤى وأقوال ومواقف حول عدد من الأمور التي يجب التنبه إليها ومنها:
العامية: هل عامية تكساس يفهمها العامة في شيكاغو؟ أو في ويلز؟ أو في الهند؟ الأمي في صفاقس لن يفهم كلام بدو الحجاز، ولا فلاحي العراق أو قبليي اليمن، ما نتحدث عنه هو الكتابة وكلام المتعلمين العرب، وها نحن نقرأ كافة الكتب والمجلات العربية حيثما صدرت، ونخاطب المتعلمين في كل الأقطار العربية دون صعوبة، المعجم الحديث للمتعلمين وليس للأميين.
الازدواج اللغوي: الازدواج اللغوي موجود في فرنسا كما في ألمانيا والسويد، لكنه عندنا أعظم، فهل من شك بأن ما بذره الانجليز في مصر والفرنسيون بالجزائر ليس له هذا الاثر الضخم على الازدواجية العربية باللغات الأجنبية؟ الازدواجية ستستمر وهذا أمر جيد لتلاقح اللغات وهي ستزداد مع العولمة، فما هو الضرر في ذلك؟ ان درب التحديث طويل ومنه تحديث اللغة.
التعليم باللغة الأم: الطب في إسرائيل يدرس بالعبرية وفي استونيا وسكانها 1.250 (مليون ومائتان وخمسين ألف نسمة) يدرس الطب بالاستونية.
لماذا؟ لأن نسبة المصطلحات الطبية في كتب الطب لا تزيد على 4% من مفردات الكتب والمراجع متوافرة بلغات عديدة، المراجع بلغات عديدة اما التدريس فيتم باللغة الأم.
براءات الاختراع:
بالمبادرات والتمويل الخاص من محمد الشارخ، حصلت شركة صخر على ثلاث براءات اختراع في حقل البرمجيات العربية من هيئة براءات الاختراع الأميركية US Patents Office وذلك في مجال الترجمة والنص العربي المنطوق (TTS ) بالاضافة إلى التعرف الآلي على الكلام (OCR ):
1- براءة اختراع رقم 09/835، 535 لـ ASR (Arabic Speech Recognition )
2- براءة اختراع رقم 09/882، 539 لـ Disambiguation (للترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية).
3- براءة اختراع رقم 10/346، 486 لـ Handwriting Recognition using Feature Matching
التكنولوجيا والأمن القومي
إن التخطيط والتطوير التقنيين، والمساهمة العربية في صناعة البرمجيات، مسائل ذات أولوية ثقافية ومعرفية لا تقل عن الأمن الغذائي، والأمن الاجتماعي، والتعليم الالزامي مثلا.
بل هي توازي في أهميتها مسألة الأمن القومي والدفاع عن الوجود.
فثمة فرصة حقيقية في ان يكون هذا التطوير بمنزلة قاطرة للتقدم الاجتماعي في عصر المعلومات، تتيح لنا الالتحاق بالركب العالمي، ومن ثم مجاراته والعودة للمساهمة في مسيرته.
وعلى النقيض، فإن تجاهل هذه المسؤولية لن يفوت فرصة سانحة أمامنا لكي نلحق بالركب فحسب، بل سيعني أيضا اننا قبلنا ان نكون مخترقين، وبالأحرى تابعين وهامشيين.
جوائز الشارخ
حصل الشارخ على جوائز عدة أهمها:
1- الجائزة التقديرية الكبرى ضمن جوائز التقنية العربية عام 2005 Lifetime Achievement GITEX 25th Anniversary.
فاز رجل الأعمال الكويتي محمد عبدالرحمن الشارخ، مؤسس شركة صخر لبرامج الحاسب، ورئيس مجلس إدارتها، بجائزة الإنجاز المتميز في مجال التعريب، تقديرا له عن جهوده في مجال تقديم اللغة العربية إلى عصر التقنية، وتطويع التكنولوجيا لمتطلبات اللغة العربية، وذلك خلال فعاليات معرض جيتكس، الذي يحتفل هذا العام بعيد ميلاده الخامس والعشرين من الريادة في أسواق تكنولوجيا المعلومات في الشرق الأوسط.
2- جائزة الرواد من مؤسسة الفكر العربي عام 2004 وذلك تكريما لإبداعه في نقل التقنية إلى الوطن العربي.
ويأتي تسلم الشارخ جائزة مؤسسة الفكر العربي المخصصة للرواد، ضمن فعاليات مؤتمرها الثالث بمدينة مراكش برعاية الملك محمد السادس، تحت عنوان: «العرب بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة»، بمشاركة ما يقارب 1000 شخصي من الأكاديميين والمفكرين ورجال الأعمال والديبلوماسيين.
3- جائزة «صاحب الرؤية الإلكترونية» للعام 2002 وذلك تقديرا لإنجازاته في مجال صناعة البرامج العربية (أبوظبي - الإمارات العربية المتحدة) Quarter Century ME IT Business Leader- DATAMATIX
4- جائزة منتدى النجاحات الخليجية لعام 1996 (الكويت)
5- جائزة المنتدى الثامن للاتصالات والإنترنت لعام 2006 من مجموعة الاقتصاد والأعمال (مسقط - عمان)
6- جائزة World summit award، W.S.I.S عام 2005 (لمشروع تطبيقات الترجمة من شركة صخر) تونس
7- جائزة World summit award، W.S.I.S عام 2007 (لمشروع إبصار من صخر للمكفوفين) فنيسيا - إيطاليا
8- وقد حصل على عدة جوائز لأفضل تطبيقات وتقنيات عربية من عام 1996 لعام 2004 من عدة معارض أبرزها جايتكس دبي، جايتكس السعودية، كومدكس مصر.