بقلم: خالد مبارك هيف الحجرف
نعم الشيخ سعد العبدالله رحل، لكن ذكراه العطرة مازالت تملأ الوجدان، فأفعاله وإنجازاته ومآثره لا تزال حاضرة وراسخة في قلوب وعقول تأبى النسيان شخصية محورية وعظيمة في تاريخ وطننا الحبيب.
ولا يسع المتتبع لسيرة الراحل الكبير في الذكرى الحادية عشرة لوفاته إلا ان يقف إكبارا وإجلالا للجهود الجبارة الذي بذلها المغفور له بإذن الله الشيخ سعد العبدالله في سبيل الذود عن الكويت وحمايتها من الأطماع الخارجية والتأكيد على وحدة صف شعبها ولحمته.. فكان يجمع ولا يفرق، ويغضب ولا يخاصم، يختلف معك ولا يقسو عليك، تجاوز أقسى المحن بسعة صدر فكان دائما القوي الأمين الحارس على أمن الوطن واستقراره.
هذا الرجل الذي وضع بصمته الخاصة في تاريخ الكويت، بوصفه رجل دولة ورئيس حكومة وصاحب موقف وقرار، فسطره التاريخ كأحد أبرز قادة الكويت، فإنجازاته تنطق بها المسيرة البرلمانية العتيدة للكويت التي قاربت 56 عاما وتتحدث عنها كل حرف من حروف نصوص 183 مادة في دستور 1962 الذي صاغه وأعده مع لجنة إعداد الدستور ومن خلال عضويته للمجلس التأسيسي، فهو صاحب بصمة رفيعة في مسيرة الكويت الديموقراطية.
ويعد الشيخ سعد من صانعي السياسة الكويتية في مجالي الأمن والدفاع، فهو أول وزير للداخلية وثاني وزير للدفاع في ظل الدستور.. وهو من الرجال الذين شاركوا وبفاعلية في وضع أسس بناء الكويت، فقد كان شاهدا على اللحظات الأولى لاستقلال الكويت وقيام دولتها الحديثة وكان مشاركا في لجنة صياغة الدستور، وكان عضوا فاعلا في إنجازه بالمناقشات والنقاط التي كان يثيرها مع أعضاء اللجنة.
بدأت مسيرته الظافرة في نهضة البلاد من قبل الاستقلال وكان أول وزير للداخلية في اول حكومة بعد الاستقلال ليشكل أسس المنظومة الأمنية العتيدة لدولة الكويت وأصدر العديد من القرارات التي حافظت على أمن الكويت ومن أبرزها تشكيل لجان الدفاع المدني لحماية المنشآت الحيوية والصناعية وتنظيم الإقامة للوافدين وحماية الحدود البرية والبحرية من المتسللين.
إنجازات الراحل الكبير امتدت من بناء تاريخ الكويت البرلماني والمساهمة في إصدار دستورها والحفاظ على أمنها الى حماية ثروتها القومية الوحيدة، حيث قام بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية.
وخلال تلك السنوات، شهدت الكويت أحداثا جسيمة، حين اندلعت على حدودها وبالقرب منها حرب مدمرة وعصفت بها أزمات اقتصادية حادة نتيجة انهيار أسعار النفط منذ بداية عقد الثمانينيات، كما حدث العديد من التغيرات السياسية والاجتماعية والأمنية، وصلت بالكويت الى درجة احتلال كل ترابها الوطني، ووسط تلك المخاطر استطاع الشيخ سعد ـ رحمه الله ـ بحكمته وبعد نظره السياسي والاقتصادي وتعاونه مع أخيه المغفور له سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، ورفيق دربه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أن تجتاز الكويت تلك العواصف والعبور بها الى شاطئ الأمان وتحريرها من الاحتلال الغاشم.
قدر لسمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله أن يكون المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية في الكويت طوال 25 عاما منذ ان تقلد رئاسة مجلس الوزراء في فبراير من عام 1978 ورأس سموه إحدى عشرة حكومة في تاريخ الكويت على مدى 25 عاما، وفي 15 يناير 2006 نودي به أميرا لدولة الكويت عقب وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد (رحمه الله)، واستمر حتى 29 يناير 2006 عندما انتقل الحكم الى صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله.
وقد واجه سموه، رحمه الله، طوال حياته السياسية ظروفا وتحديات داخلية وخارجية عدة استطاع ان يبدي خلالها أداء رفيعا ومقدرة وحنكة واستطاع ان يحقق للكويت العديد من الإنجازات بشخصيته التي جبلت على الإيثار، واتسمت بتواضع جم وإنكار للذات، جعلته يستحوذ على حب الشعب الكويتي عرفانا بجهوده وعمله لرفعة شأن الكويت.
كان سموه منذ البداية مدركا لمدى مسؤولية القيادة وأمانتها، وان القيادة هي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب مهما تكن صعوبة القرار وأيا كانت تبعاته، وقد أكدت الأحداث التي مرت بها الكويت ان سموه رجل مواقف، وانه قائد من الطراز الأول، وصاحب قرار ويسجل التاريخ موقفه الخالد في مواجهة تهديدات حاكم العراق عبدالكريم قاسم للكويت.
المحطات المهمة في تاريخ الكويت الحديث كانت جزءا من مسيرة حياة الأمير الوالد الراحل، لذلك اجتاحت البهجة والسرور قلوب الكويتيين بصدور البيان الأميري بتزكية سموه وليا للعهد في فبراير من عام 1978، وحزنهم على تعرضه لأكثر من أزمة صحية خلال مسيرته حتى وافته المنية.
ومهما قلت فإنه يعجز اللسان ويجف القلم عن ذكر مناقب وأعمال الراحل الكبير وسيظل سمو الأمير الوالد باقيا في قلب كل كويتي، وسيظل باقيا في قلوب العرب، وسأظل أنا فخورا بأن الزمان جاد بكرمه ومنحني فرصة العمل مع سموه «طيّب الله ثراه».
رحمك الله يا جابر القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر
ورحمك الله يا فارس التحرير سعد الكويت والعروبة
وحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه تحت قيادة أمير الإنسانية صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، صمام أمان الكويت بعد الله عز وجل وسمو ولي عهده الأمين الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله.