نيفين أبولافي
«مخرج 7» هو ذلك العمل الدرامي الذي طالما حاول الفنان ناصر القصبي تقديم محتواه بطرق مختلفة بعيدة عن المباشرة في الطرح، وخصوصا القضايا التي تتعلق بالتشدد الديني، وصورة المرأة في المجتمع والتعاطي العام مع همومها ومتطلباتها، حيث سعى سابقا من خلال مسلسل «طاش ما طاش» لطرح بعض من هذه الحكايا خلال سنوات، وطاله ما طاله من تهديد ووعيد آنذاك، لتتغير بعض المفاهيم حاليا بعد فتح الأفق للإبداع والطرح الفني في المملكة العربية السعودية مقدما «مخرج 7» والذي اخرجه من ضيق المشهد الى رحابة الصورة والكلمة.
«مخرج 7» عمل فني على طريقة «سيت كوم» من تأليف أوس الشرقي واخراج خلف الحربي، وتحمل كل حلقة منه تقريبا فكرة او موضوعا جديدا الا انه يسير على خط حكاية اساسية ترتبط من خلالها الشخصيات بعلاقات اسرية ثابتة، وحدث رئيسي تبنى عليه عدة قصص في كل حلقة قد تنتهي بنهايتها ولا تخلو من الكوميديا التي اضفت على العمل روح المتعة في المتابعة وان كانت قضاياه محلية بحتة.
قصة العمل
تدور قصة المسلسل بين ثلاث عائلات كعصب رئيسي للحدث، هي عائلة دوخي (ناصر القصبي) وزوجته مريم (ريماس منصور) وابنته هديل (اسيل عمران) وابنه الصغير «فواز»، بالإضافة الى الجد لأمهم جبر (راشد الشمراني) من جهة وعائلة شقيقه غريب (حبيب الحبيب) وزوجته سامية (هبة الحسين) من جهة اخرى، الى جانب كل من الاخوين لولوة (الهام علي) وخاتم (خالد فراج) ومعهم عدد من الشخصيات الاخرى، حيث نجد المرأة حاضرة وبقوة في هذا العمل من خلال انماط مختلفة لشخصيتها في المجتمع السعودي ما بين المرأة العاملة المثقفة وربة المنزل التي تسعى دوما للبقاء في دائرة الضوء الاجتماعي من خلال الزيارات والمناسبات، في حين لا تخلو شخصيتها من صراعات الغيرة النسائية لتكون الأفضل، الى جانب الفتاة الطموحة صاحبة المبادئ، في حين قدم صورا لأنماط شخصيات متعددة للرجل الذي لا تزال له دفة القيادة في المجتمع وان استطاعت المرأة ان تتحرر من عدة قيود فرضت عليها سابقا بحكم العرف الاجتماعي او القانوني.
حكاية المسلسل تبدأ عندما يظن «دوخي» انه سيتولى منصب مدير عام في مقر عمله ليفاجأ بتنصيب امرأه لهذا المنصب، الأمر الذي يصيبه بخيبة امل بعد ان اعد العدة للاحتفال بهذه المناسبة، ليدخل بعدها في صراع بسيط مع مديرته بسبب رفضه لقراراتها، ويقع في ورطة عندما يضطر للزواج من هذه المديرة بعد ان يزورها شقيقها الذي تعاني من سوء معاملته لها فيجده عندها ويشك فيهما، ويعيش «دوخي» حالة اخرى من الصراع الاسري بين مطالب زوجته التي تسعى لتعلم القيادة وابنته التي تريد ان ترتبط بشاب سعودي يعمل عامل توصيل، بينما الطامة الكبرى بالنسبة له اكتشافه لعلاقة ابنه الصغير «فواز» بولد اسرائيلي من خلال لعبة الكترونية بينما يسعى جده للتكسب المادي من خلال هذه العلاقة عن طريق اقامة معاملات تجارية مع ذوي هذا الولد.
معطيات وهواجس
كل هذه المعطيات ما هي الا حكايا وهواجس المجتمع السعودي الذي بدأ فعليا في سعودة الوظائف بشتى انواعها الى جانب تمكين المرأة من العمل في كل المواقع المهنية والاجتماعية وتقليدها مناصب عليا الى جانب اعطائها الحرية من الناحية القانونية بدءا من قيادة السيارة التي كانت ممنوعة حتى من تحمّل مسؤولية نفسها، فيما تدخل قضية اسرائيل على الخط الدرامي من بين القضايا المطروحة في ظل ما يثار احيانا هنا وهناك عما يسمى بالتطبيع او التعاملات التجارية، ليأتي «مخرج 7» مؤكدا على رفض هذا الموضوع جملة وتفصيلا، الا ان ما قد يظهر من بعض السلوكيات ما هو الا حالات فردية لشخصيات انتهازية مادية لا مبادئ لها، وشخصيات مهزوزة لا يوجد لها اي قيمة مجتمعية فتسعى من خلالها للشهرة او تسليط الضوء عليها، جسدها في العمل الجد «جبر» والعم «غريب»، وقد عرف القصبي بموقفه الثابت والرافض لهذا الموضوع.
على الرغم من المساحة الكبيرة والحضور النسائي في العمل والتأكيد على اهمية المرأة في المجتمع وعرض نماذج مشرفة لها من حيث القدرة على القيادة، الا انها بقيت رهينة الرجل وتلخص ذلك من خلال شخصية «لولوة» المديرة المميزة التي هربت من قسوة اخيها وتسلطه عليها الى «دوخي» الزوج كي تستطيع اكمال مسيرتها في الحياة، بينما وجدنا «مريم» الزوجة الاولى لدوخي تلجأ لوالدها كي تستطيع تعلم القيادة والخروج بإذن ولي عنها.
اما شخصية «دوخي» فهي الصورة الجميلة التي تعودنا على ان نرى الفنان ناصر القصبي من خلالها في هذا النوع من الدراما الاجتماعية الكوميدية، محاولا ان يتعايش مع التغيرات في مجتمعه. وتظهر الفنانة اسيل عمران بشخصية «هديل» ابنة «دوخي» تلك الفتاه التي تدور رحى حياتها ما بين مواجيب والدتها الاجتماعية والمشاكل التي تعترض حياة والدها اليومية، بينما تمتلك على الصعيد الشخصي فكرا وشخصية مستقلة كنموذج ايجابي للفتاه السعودية وبأداء فني لافت كفنانة.
ويقدم الفنان خالد فراج شخصية «خاتم» ذلك الرجل المتحكم في امر شقيقته على الرغم من سوء سلوكياته وشكوكه، الا انه اثبت حضوره الفني في العمل وقدرته العالية في الكوميديا فأحبه المشاهد على الرغم من سوء طباعه، اما حبيب الحبيب فهو ذلك الرجل ضعيف القلب امام زوجته الباحث عن وجوده وسط الزحام الأمر الذي يوقعه في المتاعب والصدمات.
قد يكون القصبي وجد ضالته التي طالما بحث عنها لتقديم كلمة جريئة بعيدا عن الخوف من الحساب او التهديد بالشكل الذي يحبه في الدراما التلفزيونية في اطار الكوميديا الهادفة.
اقرا ايضا