إذا فقدت شيئا ما، فمن الخطأ أن تبحث عنه بالمكان نفسه وبالطريقة نفسها لأن في ذلك إضاعة للوقت والجهد، دون الاستفادة من أي خبرات سابقة، لكن ينبغي تغيير استراتيجية التفكير في البحث.
وينطبق هذا الأمر على حياتنا كلها، اجتماعية واقتصادية وسياسية وفكرية وثقافية، فلابد من تطوير تفكيرنا الاستراتيجي وفق متغيرات الحياة، وعدم العمل بنفس الآلية الجامدة.
والتغيير سنة الحياة، ولن يكون ذلك إلا برغبة حقيقية وصادقة بالتغيير إلى الأفضل (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، سواء على مستوى دول أو منظمات أو أفراد.
استطاعت أميركا أن تتفوق على العالم كله، رغم أنها عالم جديد لم يتجاوز عمره 300 سنة، ورغم أقدمية الدول الكبرى ذات الحضارات، فتفوقت على نفسها، وتجاوزت خلافاتها وحروبها الداخلية، وأصبحت الأولى في مختلف علوم الطب والفضاء والكيمياء.. وغيرها، وأضحت الأولى في الأنظمة العسكرية والأمنية والتقنية، فأمست تقود العالم، رغم وجود المنافسين الأقوياء روسيا والصين.
استفادوا من تجارب الحروب العالمية الأولى والثانية وفيتنام، وتركوا الاستعمار المباشر، وغيروا استراتيجية التفكير، وانتقلوا إلى صناعة الفكر واختراق العقل وتوجيه السياسة بكل احترافية، عبر توجيه ثقافات المجتمع المحلي أولا، ثم العالمي، من خلال الإعلام والسينما والثقافة والمطاعم والملابس، فأصبحت يضرب فيها المثل في المهارة والإتقان، حتى تبنى الناس فكرتهم وثقافتهم.
ثم ظهرت «منظومة» جديدة ليس لها بلد محدد، ولا عناصر بشرية كثيرة، استطاعت أن تسيطر تدريجيا على مؤسسات العالم المالية والإعلامية، فهي لم تيأس من فشلها وتشردها سنوات طويلة من التيه بين مختلف دول العالم، تعرضت خلالها للذل والقتل (لأفعالهم)، وغيرت استراتيجيتها وسيطرت على المال فقط، وجعلت التنافس على الصناعة والعلوم والخدمات لدى غيرها، وهي التي توجهها عن بُعد.
وصنعت لها واجهة اسمها إسرائيل أعلى أرض فلسطين، ومؤسسات أخرى تساندها أسمتها الصهيونية والماسونية.. وغيرها، وغيرت إستراتيجيتها، ونقلت الحروب بينها وبين الآخرين إلى حروب بالوكالة تقوم الشعوب بتنفيذها عنها في مختلف دول العالم، وبالأخص في العالم الإسلامي والعربي الذي اخترقته بجدارة.. ومازالت.
ومازال العرب والمسلمون يتعاملون مع المتغيرات والمستجدات بنفس الآلية، ومازالوا يبكون على اللبن المسكوب، حتى ألفوا السكينة والاستسلام، فلم تعد تخرج المظاهرات ولا بيانات الشجب والتنديد، سوى «الكويت» بموقفها المبدئي تجاه فلسطين والأقصى.
لست خائفا على الأقصى، فله رب يحميه، ولكني قلق على الجمود الفكري في التعامل مع الأحداث بنفس الآلية المكررة، دون تطور استراتيجي.
هل ما زلنا ننشد: من أجلك يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي.. لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن..
عيوننا إليك ترحل كل يوم.. تدور في أروقة المعابد.. وتمسح الحزن عن المساجد..
وبدأت أتساءل: هل فعلا مازال الغضب الساطع آت بجياد الرهبة؟! وهل ما زلنا متشبثين بأن البيت لنا والقدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس؟!
إنها دعوة لإعادة استراتيجية التعامل مع القضية على مستوى عالمي، فالواجهات تغيرت، والوجوه تبدلت، والأجيال تطورت، والكيانات تجددت، ولنعد إلى الله، وإلا سنعود إلى المربع الأول، وليس لنا سوى الدعاء بقلب صامت.