يمد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، رغم كل الضغوط التي يتعرض لها على الساحة السياسية الداخلية من الموالين لإيران، اليد إلى واشنطن عبر «حوار استراتيجي»، وإلى أطراف اقليمية وعربية خصوصا بين حلفاء واشنطن.
وباتت الهجمات ضد جنود وديبلوماسيين ومتعاقدين مع القوات الأميركية أو توجيه الإهانات للكاظمي والقيام باستعراضات عسكرية من جانب ميليشيات موالية لإيران تتهمه بأنه يخدم واشنطن أمرا شبه يومي في العراق.
وتطالب الفصائل المسلحة الموالية لإيران والسياسيين الذين يمثلونها بطرد 2500 جندي أميركي موجودين في العراق جاؤوا لدعمه في حربه ضد تنظيم «داعش»، معتمدين في مطلبهم على قرار برلماني تم التصويت عليه في العام 2020 ولم ينفذ بعد، وينص على انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي العراقية.
ويشكل «الحوار الاستراتيجي» الذي انطلق الأربعاء مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن اختبار توازن جديدا للكاظمي المستقل الذي لا يملك قاعدة شعبية أو حزبية. وفي محاولة لإمساك العصا من المنتصف، اتفقت الحكومتان على تقليص دور القوات الأميركية في العراق بالمشورة والتدريب فقط، على ان يعاد انتشار بقية القوات خارج العراق في وقت لاحق.
جاء ذلك في الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين وزيري الخارجية العراقي فؤاد حسين ونظيره الأميركي انتوني بلينكن. وبرر الجانبان القرار بـ «تطور قدرات القوات العراقية» ما دفع إلى التوصل إلى ان دور القوات الأميركية وقوات التحالف قد تحول الآن الى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق، على ان يتفق الجانبان على المواعيد في محادثات فنية مقبلة».
ورأى ان هذا التحول في طبيعة مهمات القوات الأميركية والقوات الدولية الأخرى من العمليات القتالية الى التدريب والتجهيز والمساندة «يعكس نجاح الشراكة الاستراتيجية، ويضمن دعم الجهود المتواصلة للقوات العراقية لضمان أن ما يسمى تنظيم «داعش» لن يهدد استقرار العراق مجددا».
وجددت الحكومة العراقية وفقا للبيان التزامها بحماية أفراد وقوافل التحالف الدولي والبعثات الديبلوماسية التابعة لدوله.
كما أكد البيان «ان القواعد التي يتواجد بها أفراد التحالف هي قواعد عراقية وهم موجودون فيها حصرا لدعم جهود العراق في الحرب ضد داعش».
وقبل هذه المحطة استقبل الكاظمي وزيري الخارجية المصري والأردني وقام بزيارة دول عربية حليفة لواشنطن.
ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري لـ «فرانس برس»، إن كل ذلك «رسالة إلى إيران بأن العراق لديه الحق في اتخاذ مسار آخر بعلاقاته الخارجية بما يعتمد على محيطه العربي، إذ لا يمكن للعراق أن يكون أحادي العلاقة كما تريد إيران وحلفاؤها».
مواقف متضاربة
وعلى الكاظمي، الذي يفترض أن دوره تحضير البلاد لانتخابات مبكرة لايزال موعد إجراؤها غامضا حتى الآن، التعامل مع معسكر نافذ موال لإيران، وكذلك مع الأقليات كالكردية التي ترى الوجود الأميركي بمنزلة حماية لها، ومع الجيران الخصوم لإيران.
في الأثناء، وحتى قبل بدء المحادثات، أعرب جعفر الحسيني، المتحدث باسم كتائب حزب الله، احدى الفصائل الموالية لإيران الأكثر تطرفا، عن رفضه لهذا الحوار.
وقال: «لا قيمة للمفاوضات كون الشعب العراقي حسم قراره بإنهاء الاحتلال الأميركي»، مضيفا: «المقاومة العراقية مستمرة بالضغط على أميركا».
بيد أن الكاظمي يستفيد في الوقت نفسه من دعم طرف شيعي وازن لتوجهه العربي، هو مقتدى الصدر الذي دعا قبل 18 عاما الى حمل السلاح ردعا للغزو الأميركي.
ورأى الصدر في تغريدة أن «انفتاح العراق على الدول العربية خطوة نحو الطريق الصحيح».
ويرى عسكريون أميركيون وعراقيون، أنه مع تراجع خطر داعش في العراق إلى مجرد خلايا سرية في الجبال والصحاري بات مصدر التهديد هو الفصائل المتطرفة الموالية لإيران، مشيرين الى الهجمات المتكررة بصواريخ أو عبوات ناسفة تستهدف مواكب دعم لوجستي للتحالف الدولي، وإلى تبني هذه الفصائل أحيانا هجمات خارج الأراضي العراقية.