اعتادت إسرائيل على شن حروب غادرة على قطاع غزة، تكون شرارتها ـ في كل مرة ـ عملية اغتيال وتصفية جسدية مباغتة لشخصية مؤثرة في المقاومة الفلسطينية دأبت على وصفها بـ«الصيد الثمين»، ولا تتردد في تصفيتها، وهي تدرك أن ذلك سيدفع بالأوضاع نحو حرب دامية، بحسب تقرير إخباري لـ«الجزيرة.نت».
وكانت أبرز جرائم الاغتيال الإسرائيلية خلال السنوات العشر الماضية وشكلت «بوابة حرب»، جريمة اغتيال القائد البارز في كتائب «عز الدين القسام» الذراع العسكرية لحركة (حماس) أحمد الجعبري عام 2012، تبعتها جريمة اغتيال القائد البارز في «سرايا القدس» الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا عام 2019، وصولا إلى الاغتيال الأخير لخليفة أبو العطا في قيادة «سرايا القدس» تيسير الجعبري.
فقد اغتالت إسرائيل في 14 نوفمب عام 2012 أحمد الجعبري، القائد البارز في كتائب القسام والرجل الثاني فيها بعد قائدها العام محمد الضيف. وكانت الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تصف الجعبري بأنه «قائد أركان حماس»، لدوره اللافت في تطوير الأداء والترسانة العسكرية للحركة. وحتى قبيل اغتياله، كان الجعبري، المولود في غزة عام 1960، من أبرز المطلوبين على «قوائم التصفية والاغتيال» من جانب إسرائيل، وزاد التحريض ضده لدوره المركزي في إدارة ملف الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، وإشرافه المباشر على صفقة تبادل الأسرى عام 2011.
وشكل اغتيال الجعبري صدمة كبيرة باستهدافه بشكل مباغت ومن دون مقدمات. واخترقت بذلك إسرائيل تهدئة كانت سارية في غزة في ذلك الحين، عندما قصفت سيارته بعدة صواريخ أسفرت عن استشهاده ومرافقه على الفور. ولحجم خسارة قائد بحجمه، لم تتردد حماس في الرد بقوة على جريمة الاغتيال، فاندلعت حرب استمرت 8 أيام أطلقت عليها الحركة «معركة حجارة السجيل»، في حين سمتها إسرائيل «عامود السحاب». وأسفرت عن مقتل 175 فلسطينيا. وفي حين لم تعلن إسرائيل رسميا عن عدد قتلاها، أعلنت وسائل إعلامها في ذلك الوقت عن سقوط 6 قتلى و240 جريحا.
معركة «صيحة الفجر»
7 سنوات مرت على اغتيال الجعبري، قبل أن تعاود إسرائيل كسر قواعد الاشتباك وتخترق حالة التهدئة في غزة، بإقدامها المباغت على اغتيال بهاء أبو العطا قائد المنطقة الشمالية في «سرايا القدس» في غزة التي استيقظت صباح 12 نوفمبر عام 2019 على دوي انفجار لطائرة إسرائيلية مسيرة، استهدفت أبو العطا في شقته السكنية بحي الشجاعية شرقي المدينة، أدى إلى استشهاده وزوجته. وبعد نصف ساعة فقط من جريمة الاغتيال، اتخذت حركة الجهاد الإسلامي قرارها بالرد في عملية استمرت بضعة أيام سمتها «معركة صيحة الفجر»، وأطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.
وفي حين تكتمت إسرائيل على خسائرها جراء صواريخ المقاومة، فإن غاراتها الجوية أسفرت في ذلك الحين عن مقتل 34 فلسطينيا، وجرح أكثر من 100 آخرين، بينهم نشطاء في سرايا القدس، وأعداد كبيرة من المدنيين.
وكانت إسرائيل تتهم أبو العطا، وهو من مواليد غزة عام 1977، بالمسؤولية المباشرة عن شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية.
شرارة حرب جديدة
وعقب اغتيال أبو العطا، خلفه مساعده تيسير الجعبري في قيادة «لواء الشمال» بسرايا القدس، إلى أن تمكنت إسرائيل من اغتياله امس الاول في عملية مشابهة، إذ تشير التقديرات إلى أن طائرة مسيرة استهدفته داخل شقة سكنية في «برج فلسطين» بحي الرمال في مدينة غزة، وقد استشهد على الفور برفقة أحد مرافقيه.
وتيسير الجعبري من مواليد غزة عام 1972، وهو من عائلة الشهيد أحمد الجعبري، التي يعرف عنها الانخراط في نشاطات المقاومة خاصة في أوساط حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وقد استشهد عدد من أفرادها في عمليات اغتيال مباشرة وفي حروب وجولات تصعيد إسرائيلية على غزة. ونجا تيسير الجعبري من محاولات إسرائيلية عدة لاغتياله، كانت أبرزها في عامي 2012 و2014. وتؤرخ بداية سياسة الاغتيالات الاسرائيلية التي يتم فيها استهداف شخص معين محدد الهوية، يتم اختياره بهدف تصفيته بقرار رسمي، حيث بدأت تلك السياسة عام 1972 حين قررت رئيسة حكومة إسرائيل انذاك غولدا مائير ملاحقة واغتيال منفذي عملية ميونيخ التي استهدفت رياضيين إسرائيليين كانوا يشاركون في الألعاب الأولمبية بألمانيا.
وتوالت بعدها عمليات الاغتيال والتصفية وطالت أدباء مثل غسان كنفاني وقادة أمنيين مثل أبو علي حسن سلامة وأمناء عامين في حركات المقاومة الفلسطينية مثل فتحي الشقاقي وعباس موسوي ومفكرين وقادة سياسيين، وصولا إلى اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى بقصف مكتبه برام الله عام 2001، واغتيال مؤسس الجناح العسكري لحماس صلاح شحادة بقصف جوي لمنزله في يوليو 2002، ومؤسس «حماس» الشيخ أحمد ياسين عام 2004، ثم اغتيال القيادي البارز في الحركة عبدالعزيز الرنتيسي، وقبلهم وبعدهم المئات من القادة والنشطاء الفلسطينيين.
وبحسب ما صرح الكاتب الإسرائيلي رونين برغمان في مقابلة مع موقع «تايم أوف إسرائيل»، نشرت في 30 يناير 2018، فقد نفذ الإسرائيليون خلال 71 عاما أكثر من 2700 عملية اغتيال (بمعدل 38 عملية سنويا) داخل وخارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويجزم المراسل الصحافي العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد، أن سياسة الاغتيالات «لا تؤدي إلى إنهاء ظاهرة قيادات المقاومة والنشطاء الفلسطينيين» بل إلى استبدال آخرين بهم، وأنها قد تقود إلى نتائج عكسية وإلى «تغذية دوامة الدم والعنف وتوسيعها».