قال عدد من خبراء الأمن إن مصادرة عناصر مكتب التحقيق الفيدرالي «اف بي آي» وثائق حكومية أميركية «سرية للغاية» من منتجع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الفخم في مارالاغو بفلوريدا، يسلط الضوء على مخاوف الأمن القومي المستمرة التي يشكلها الرئيس السابق ومنزله الذي أطلق عليه اسم البيت الأبيض الشتوي.
وكانت العملية آخر حلقة ضمن سلسلة اتهامات لترامب بالتهور وانتهاك معلومات سرية، حيث يخضع لتحقيق اتحادي حول انتهاكات محتملة لقانون التجسس الذي يجرم تقديم المعلومات لدولة أخرى أو إساءة التعامل مع معلومات دفاعية أميركية أو تبادلها مع غير المخولين بذلك، وفقا لأمر التفتيش القضائي الذي أمر قاض في فلوريدا بنشره، وبين المضبوطات عدد كبير من الوثائق المصنفة «سرية للغاية» إحداها تتعلق بـ«رئيس فرنسا»..
وعندما كان رئيسا، كشف ترامب أحيانا عن معلومات بغض النظر عن حساسيتها لضيوفه في البيت الابيض. ولكن في منتجع مارالاغو، الذي يشهد فناء ناديه حضور أعضاء من النخبة حفلات زفاف وعشاء يملؤها المرح، تبدو المعلومات المخابراتية الأميركية معرضة للخطر بشكل خاص.
وقالت ماري ماكورد المسؤولة السابقة بوزارة العدل إن مذكرة التفتيش الصادرة عن الوزارة تثير مخاوف متعلقة بالأمن القومي.
وأضافت «من الواضح أنهم اعتقدوا أن استعادة هذه المواد إلى فضاء آمن أمر مهم جدا، حتى مجرد الاحتفاظ بوثائق سرية للغاية في مخزن غير لائق يخلق تهديدا كبيرا للأمن القومي، لاسيما بالنظر إلى أن مارالاغو يرتادها زوار أجانب وغيرهم ممن قد يكون لهم صلات بحكومات أجنبية وعملاء أجانب».
ودافع ترامب عن نفسه قائلا في بيان إن السجلات «رفعت عنها السرية» ووضعت في «مخزن آمن».
غير أن ماكورد قالت إنها لا ترى «مبررا معقولا لقراره برفع السرية عن كل (وثيقة) منفردة منها قبل رحيله».
وتشكل مصادرة «اف بي آي» لمجموعات متعددة من الوثائق وعشرات الصناديق، ومنها معلومات حول شؤون الدفاع بالولايات المتحدة ومعلومات نووية، وإشارة إلى «الرئيس الفرنسي»، سيناريو مخيفا لمجتمع المخابرات.
وقال ضابط سابق في المخابرات الأميركية «بيئة التعامل الحذر مع المعلومات بالغة السرية مخيفة جدا... إنها كابوس».
وفي إحدى الوقائع البارزة، اجتمع ترامب في عام 2017 مع رئيس الوزراء الياباني آنذاك شينزو آبي على مائدة عشاء في الهواء الطلق بينما كان الضيوف يتحركون في القرب ويسمعون ويلتقطون الصور التي نشروها لاحقا على تويتر.
وتخلل العشاء تجربة صاروخية لكوريا الشمالية، وكان الضيوف يسمعون بينما كان ترامب وآبي يفكران بما سيقولان ردا على ذلك. وبعد إصدار بيان، حضر ترامب حفل زفاف في نادي المنتجع.
وقال مارك زيد المحامي المتخصص في قضايا الأمن القومي «ما رأيناه هو أن ترامب كان متساهلا في الأمن لدرجة أنه كان يعقد اجتماعا حساسا بشأن موضوع حرب محتمل في مكان يمكن فيه لموظفين غير أميركيين المراقبة والتصوير.. كان من السهل ايضا حيازة أحدهم أيضا جهاز يتنصت على ما كان يقوله ترامب ويسجله أيضا».
وأنشأ مساعدون في البيت الأبيض غرفة آمنة في مارالاغو لإجراء المناقشات الحساسة. كان هذا هو المكان الذي قرر فيه ترامب شن غارات جوية على سورية لاستخدامها أسلحة كيماوية في أبريل 2017.
وجرى اتخاذ هذا القرار بينما كان ترامب يستعد لتناول العشاء مع الرئيس الصيني الزائر شي جينبينغ. وعندما كان يتناول قطعة من كعكة الشوكولاتة، أبلغ ترامب شي بالضربات الجوية.
ومن بين التسريبات التي شكلت صدمة لدوائر الاستخبارات الأميركية، تغريدة لترامب في 30 اغسطس 2019، كشف فيها عن ما يعتقد بأنها صورة سرية عالية الدقة لموقع إطلاق صواريخ إيراني لم ينجح.
وقال ترامب في التغريدة «لم تكن الولايات المتحدة الأميركية متورطة في اي حادث كارثي خلال التحضيرات النهائية لإطلاق الصاروخ سفير الذي يحمل قمرا اصطناعيا من موقع سمنان في إيران».
وفي العاشر من مايو 2017، التقى ترامب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسفير سيرغي كيسلياك في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وخلال الاجتماع، أبلغ ترامب المسؤولين الروسيين عن معلومات استخباراتية بالغة السرية تلقتها الولايات المتحدة من دولة حليفة في الشرق الأوسط عن خطة لتنظيم داعش، وحول عملية من المقرر تنفيذها ضد التنظيم. وتبين أن المعلومات الاستخباراتية السرية كانت من إسرائيل التي انزعجت من كشف ترامب عنها، بحسب معلومات نشرتها وسائل إعلام.
كما كشف ترامب للرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي في أبريل 2017، بأن غواصتين نوويتين أميركيتين تتواجدان قبالة سواحل كوريا الشمالية، متباهيا بـ«قوة نارية كبيرة»، بحسب نص المكالمة الذي نشرته الفلبين.
ونادرا ما تكشف وزارة الدفاع الأميركية (الپنتاغون) مواقع غواصاتها التي تعد أساسية لقوة الدفاع الاستراتيجية الأميركية.
وفي مقابلة عام 2019، تحدث ترامب للكاتب بوب وودوارد عن إمكانيات نووية أميركية غير معروفة، وهو أمر كان إما معلومات غير دقيقة هدفها التباهي أو معلومات سرية للغاية.
وقال ترامب لوودوارد «أنشأت نظاما نوويا وللأسلحة لم يملك أي أحد مثله في هذا البلد من قبل».
وأضاف «لدينا معدات لم يسمع بها فلاديمير بوتين وشي جينبينغ من قبل».
وبعدما قتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في عملية أميركية في سورية في أكتوبر 2019، كشف ترامب في إطار تباهيه بالهجوم عن تفاصيل عديدة يتحفظ «الپنتاغون» عليها عادة، مثل عدد المروحيات التي شاركت وكيفية دخول عناصر القوات الخاصة إلى مقر إقامة البغدادي.
وقال قائد العمليات الخاصة السابق مايكل ناغاتا لموقع «بوليتيكو» إن المعلومات «يمكن أن تسهم في هندسة مضادة لأساليبنا الاستخباراتية من قبل العدو».