بعد يومين على إسدال الستار عن حقبة الرئيس الفار زين العابدين بن علي، بدأ التونسيون يستعيدون انفاسهم رويدا رويدا مع البدء بتخفيف اجراءات حظر التجول، وانتشار الجيش وفتح بعض المحال والأسواق التجارية.
وقد ساهم، تشكيل مجموعات شعبية للأمن بين الأحياء في عودة تدريجية للسيطرة على الأوضاع في العاصمة التونسية وذلك مع انتشار وحدات الجيش والقوات الامنية.
وقامت مجموعات شعبية في تشكيلات تتكون من 5 الى 10 اشخاص بالتجول في الأحياء وحماية الممتلكات والمنازل والمساهمة مع الجيش التونسي الذي يبسط سيطرته على العاصمة في توقيف عصابات السلب والنهب، فيما انتشرت الوحدات العسكرية وأفراد الجيش التونسي في الطرقات والميادين الرئيسية الى جانب تحليق مستمر للطائرات المروحية ليللا ونهارا في الأجواء.
وبدأت أمس عودة خجولة للنشاط التجاري ومحطات الوقود مع الإعلان عن توافر المواد الأساسية وضرورة عودة التجار ومختلف المحلات التجارية الى فتح أبوابها لتأمين تزويد المواطنين في أفضل الظروف.
وبموازاة الهدوء الحذر، تصاعدت المخاوف من ارتفاع وتيرة التشفي وتصفية الحسابات خاصة بأركان النظام السابق. فقد شهدت الطبقة السياسية السابقة عدة اعتقالات لعدد من الرموز الأمنيين للنظام لاسيما، وزير الداخلية الذي اقيل قبل ايام وكذلك الجنرال علي السرياطي المدير السابق لأمن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي وعدد من مساعديه بتهمة «التآمر على الأمن الداخلي» في تونس، على ما أكد الأحد مصدر رسمي لوكالة فرانس برس.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الحكومية عن مصدر مسؤول ان «النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية بتونس أذنت بفتح بحث تحقيقي ضد المدير العام السابق للأمن الرئاسي ومجموعة من مساعديه من اجل التآمر على امن الدولة الداخلي وارتكاب الاعتداء المقصود منه حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح واثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي».
واضاف المصدر «وقد بادر قاضي التحقيق بعرض التهمة على المظنون فيهم وإصدار بطاقات إيداع ضدهم».
وفي أول تأكيد رسمي لوجود مليشيات تخريب منظمة يقودها السرياطي الذي كان من ابرز معاوني الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، اكد المصدر ان النيابة العامة وجهت تهمة «التآمر على أمن الدولة الداخلي وارتكاب الاعتداء المقصود منه حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي وذلك عملا بأحكام المواد 68 و69 و72 من القانون الجزائي».
وتابع ان «قاضي التحقيق المتعهد بهذه القضية بادر بعرض التهمة على المظنون فيهم وإصدار بطاقات إيداع ضدهم في انتظار استكمال بقية الإجراءات القانونية في القضية».
هذا ولا تبعث التجاذبات السياسية التي تناثرت مواقفها في سماء تونس الملبد بدخان الحرائق على التفاؤل بمستقبل البلاد الذي بدا وكأن سيناريوهات متعددة تتجاذبه.
ورأى مراقبون أن البلاد أضحت في هذه اللحظة التاريخية أمام أزمة خطيرة ما لم تتضافر جهود الجميع لتسويتها لاسيما أنها بدأت تدفع البلاد نحو المجهول بسبب الفراغ الأمني الذي تسبب حتى الآن في فوضى عارمة.
كما تسارعت الأحداث السياسية في أكثر من اتجاه أخطرها تلك التي تسعى جاهدة إلى ركوب التطورات وقطف ثمار الحركة الاحتجاجية وتوظيفها لصالحها.
ويخشى على نطاق واسع من أن الأحداث إذا ما تواصلت على هذا الشكل ستسرق فرحة الشعب التونسي الذي تمكن من الإطاحة بنظام بن علي حيث بدأت تلوح 3 سيناريوهات هي الفراغ الأمني والسياسي، وخطر عودة التيار الإسلامي ليهيمن على البلاد، وتسليم الأمور إلى الجيش بما يعني العودة إلى الحكم العسكري.
فعلى الصعيد السياسي تسارعت الأحداث أيضا حيث بدأ رئيس الوزراء المكلف محمد الغنوشي مشاورات مع ممثلي الأحزاب السياسية والأطراف الاجتماعية لتشكيل حكومة وطنية وفقا لما أعلنه رئيس تونس المؤقت فؤاد المبزع حيث التقى الغنوشي في هذا الإطار مع الأمناء العامين لجميع الأحزاب السياسية القانونية ومع عدد من ممثلي المنظمات الوطنية والهيئات الاجتماعية والحقوقية.
غير أن ما رشح من هذه المشاورات لا يبعث على التفاؤل بإمكانية تشكيل هذه الحكومة حيث تباينت المواقف بين مؤيد ومتحفظ ورافض إلى جانب تزايد الأصوات المطالبة بعدم إقصاء بقية القوى والأحزاب غير القانونية وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية بقيادة راشد الغنوشي وحزب العمال الشيوعي بقيادة حمة الهمامي وبقية القوى القومية.
ولئن أبدت غالبية الأحزاب القانونية حرصها على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فإن حركة النهضة رفضت ذلك ومعها حزب العمال الشيوعي وبقية القوى الأخرى التي لا تكف عن المطالبة باستئصال رموز النظام السابق.
ويوصف هذا السيناريو بالمرعب لأنه يستحضر ما جرى في العراق عندما أعلن عن البدء في استئصال حزب البعث ما ادخل البلاد في حرب أهلية وهو ما يخشاه الجميع باعتبار أن الحزب الحاكم في عهد بن علي يقدر عدد أعضائه بنحو 3 ملايين. وبدا واضحا ان هذا الخلاف قد أدخل العملية السياسية في حلقة مفرغة ما يفتح المجال أمام سيناريو الفراغ السياسي والأمني الذي يخشاه الجميع خاصة أن خطورة الوضع الأمني الراهن الذي يتميز بوجود «مجموعات أمنية موازية» تسعى إلى أن يتفاقم الوضع الميداني ويتردى باتجاه «الأرض المحروقة».
هذا السيناريو الذي يخشاه الجميع سيفتح الباب أيضا أمام سيناريو ثان هو إقدام الجيش على السيطرة على السلطة ما يعني تحول تونس إلى حكم عسكري فلا أحد بإمكانه أن يحدد ملامحه.
وبين هذا السيناريو وذاك تبدو الأمور في تونس مفتوحة على مصراعيها أمام كل الاحتمالات والوضع الميداني على صفيح ساخن ما لم يتحرك الحكماء لاحتواء الوضع من خلال التوجه إلى حكومة ائتلاف وطني لتخطي المرحلة الانتقالية.
في الشارع، باتت عبارات مثل «انزل من السيارة، افتح الصندوق الخلفي، انبطح ارضا»، تسمع بكثرة عند حواجز لقوة مشتركة للأمن والجيش تسعى للسيطرة على الوضع قرب العاصمة التونسية حيث عبث مجهولون ببعض املاك مقربين من زين العابدين بن علي وسط تشفي البعض واستهجان البعض الآخر.
وأقامت قوة مشتركة للجيش والشرطة مسلحة بالبنادق والمسدسات حاجزا على الطريق الرابط بين حلق الوادي والعاصمة لتوقيف كل السيارات وتفتيشها واعتقال المشتبه بهم.