روري ماكارثي
حتى مع الإعلان عن تورط القاعدة في اغتيال بينظير بوتو فإن من المبكر التوصل إلى استنتاجات نهائية حول الطرف المعني مباشرة بتلك العملية، فقد تلقت بينظير الكثير من التهديدات قبل عودتها إلى بلادها من منفاها الاختياري قبل شهرين، فمن الذي يقف حقيقة وراء اغتيالها؟
من المؤكد أن القائمة طويلة - وقد لا تعرف الحقيقة على الإطلاق، ومن المؤكد أيضا أن أكثر المرجحين للقيام بعمل من هذا النوع هم المتشددون الدينيون، فطبيعة الهجوم، أي إطلاق الرصاص عليها أولا ثم التفجير الانتحاري، يشير بأصبع الاتهام في ذلك الاتجاه.
وقد كانت هناك تهديدات بقتلها حتى قبل أن تطأ بقدميها أرض الباكستان في شهر أكتوبر الماضي، بل إن أحد قادة طالبان هدد بإرسال فرقة من الانتحاريين للقضاء عليها، فيما أطلق متشددون آخرون تهديدات مشابهة، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن استهدافهم لها يعود إلى علاقاتها الوثيقة مع الغرب بشكل عام، ومع الولايات المتحدة بشكل خاص.
وعقب محاولة اغتيالها التي جرت في كراتشي في يوم عودتها من منفاها، وهي المحاولة التي خلّفت 138 قتيلا من أنصارها وأدت إلى إصابة 300 آخرين، قالت الاستخبارات ان لديها تقارير تحذِّر من وجود مالا يقل عن 3 مجموعات مرتبطة بمنظمتي القاعدة وطالبان تخطط لقتلها، ولكن حتى وإن كان القتلة الحقيقيون من الميليشيات فإن ذلك لا يعني أنهم مرتبطون بالقاعدة أو أسامة بن لادن أو بقيادة طالبان.
ذلك لأن ثمة ما يعـــرف بالتـــشدد المــــتعدد الرؤوس، ويـــعني ذلك أن هناك تولـــيفة من الشـــبكات غير الرســـمية من الـــخلايا التــي أسســت نفسها في باكستان، وبعض مناطق أفغانستان، والـــتي جـــاءت نتـــاجا للـــحرب الطــويلة ضد المحــتل الســـوفييتي في أفغانستان خلال حقـــبة الثـــمانينيات، وكذلـــك النـــزاع الباكستاني القديم مع الهند في كشمير، وهناك مئات الباكستانيين الذين قتلوا خلال عام 2007 في حملة متجددة وشرسة شنتها الحركات المتطرفة في تحد واضح للسلطات الحكومية في إسلام آباد. ولا شك في أن هذه الأطراف ترى أن بوتو، بارتباطاتها الغربية، وتصميمها العلني على مكافحة التطرف الديني، تشكل تهديدا لوجودها.
المؤسسة العسكرية
بعد محاولة الاغتيال الأولى في أكتوبر، تحدثت بوتو بشكل غير ملتبس حول الطرف الذي تعتقد أنه يرغب في تصفيتها، وقالت في مقابلة مع المجلة الفرنسية «باري ماتش» في شهر مارس الماضي: إنني أعرف بالضبط من يرغب في قتلي، إنهم رجال النظام السابق للجـــنرال ضياء الحق، الذين يقفون وراء التطرف والتعصب. وأنحت باللائــــمة في وقت لاحق على مؤيدي المتشددين، وأعربت في الوقت نفسه عن اعتـــــقادها بأن عسكريين متقــــاعدين يرغبــــون في قتلها، كما ووجهت أصابع الاتهام إلى الذراع القوية لمخابرات الجيش، وبالتحديد وكالة مخابرات الأفرع العسكرية.
وليس غريبا على أحد أن المؤسسة العسكرية، والجنرال ضياء الحق بشكل خاص، ان يشكلا دائما العدو اللدود لعائلة بوتو، فالجنرال ضياء الحق هو الذي أطاح بوالدها في انقلاب عسكري نفذه ضده في عام 1977، وقام بإعدامه بعد ذلك بعامين، ولهذا نشأت حالة من التنافس المرير بين المؤسسة العسكرية وعائلة بوتو استمرت لسنوات طويلة. وعندما كانت في المنفى اتهمها الرئيس برويز مشرّف، بالفساد وسوء الإدارة، فردت من طرفها باتهامه بخنق الديموقراطية في باكستان، ونعتته مؤخرا بكلمة «الملوَّث». ومع ذلك فإنها لم تصل إلى حد اتهامه بالتورط المباشر في محاولة الاغتيال الأولى ضدها.
وقالت بــوتـــو أيـــضا انها بـــعثت إلى الرئـــيس مشـــرّف، قـــبل عـــدة أيـــام من محـــاولة اغـــتـــيالها في شهـــر أكـــتوبر المـــاضي، برسالة حـــذرته فيـــها من وجـــود عـــدة مــــؤامرات لاغتـــيالها بالمتـــفجرات، وضـــمَّنت الرســـالة أســـماء وأرقـــام هـــواتف المشــبوهين.
وأضـــافت بالقول: أنا لا أتهم الحكومة بل بعض الأشخاص الذين يسيئون استخدام سلطاتهم. ومن المؤكد أنه يوجد في المؤسسة العسكرية، وبين بعض الضباط المتقاعدين، من يعتقد أن بوتو تشكل خطرا ليس فقط على مصالحهم الخاصة بل وعلى استقرار باكستان، ولكن بدون تقديم الدليل الدامغ على تورطهم فإن من الصعب تحويل مجرد شكوك إلى اتهامات.
المناوئون السياسيون
ليس هناك من شك في أن بوتو خاضت معركة طويلة مع مناوئيها السياسيين، وعلى الأخص مع نواز شريف، رئيس الوزراء السابق ورئيس التحالف الإسلامي الباكستاني الذي عاد مؤخرا هو الآخرمن المنفى. ويتمتع شريف بتأييد قوي على الأرض ولكن العلاقات بين منظمته وحزب بوتو اتسمت بالتنافس وعدم الود بشكل شبه دائم، وعقب محاولة الاغتيال ضد بوتو في شهر أكتوبر الماضي، اتهم أحد مسؤولي التحالف زوج بوتو، آصف علي زرداري، بأنه هو من فبرك محاولة الاغتيال كي يكسب التأييد لزوجته، ولكن بغض النظر عن شراسة الحملة يبدو أن مسؤولي التحالف هم المتهمون الأقل ترجيحا.
هل سيتمكن العالم من معرفة الفاعل؟ الحقيقة أن ممارسة المخابرات الباكستانية لمهامها في مواقع الجريمة لا يتسم عادة بالتشدد والدقة، ولكن حتى في حال تم التوصل إلى معرفة شخصية الانتحاري الذي نفذ الهجوم، فإن تحديد من أصدر الأمر بقتل بوتو قد يتعذر حتى على أفضل المحققين في العالم.
وحتى إذا كانت العملية تمت على يد مجموعة متشددة، فهل كانت تلك المجموعة تعمل من تلقاء نفسها، أم أنها كانت مجرد بيدق تحركه أيد أقوى منها؟ ويذر أنه إلى يومنا هذا مازالت عملية الإغتيال الشهيرة الأخرى، والتي راح ضحيتها ضياء الحق في شهر أغسطس من عام 1988، أحجية لعدد كبير من نظريات المؤامرة التي تحتاج إلى حل.
عن الـ «غارديان»
صفحة قضايا في ملف ( pdf )