كاترين بنهولد
كان أهم حدث بالنسبة لكريم زربي أثناء زيارته لأميركا هو مصافحة المرشح الرئاسي الديموقراطي باراك أوباما، أما علي زاهي» فقد كان في غاية السعادة بلقائهاسطورة كرة السلة ماجيك جونسون، ورؤية مسجد في واشنطن أكبر من ذلك الذي عرفه في قريته الصغيرة التي نشأ فيها في الجزائر أدهشت محمد حامدي، ويربط هؤلاء الثلاثة انهم من مسلمي فرنسا، وتقل أعمارهم عن الـ42 عاما، وقد نشأ ثلاثتهم في تلك الضواحي الفرنسية التي أصبحت رمزا لمشاعر الاحباط الطاغية على شباب المسلمين المنتمين الى الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين الذين أشعلوا نيران أحداث العنف والشغب التي شهدتها فرنسا عام 2005 وانضم ثلاثتهم كذلك الى صفوف مجموعات المسلمين الأوروبيين المتنامية النفوذ، التي تم اختيار قياداتها للمشاركة في زيارة الى الولايات المتحدة الأميركية مدتها ثلاثة أسابيع، نظمت ضمن الجهود التي تبذلها وزارة الخارجية الأميركية عبر برنامجها الخاص بالقادة الزوار العالميين.
القصد من الزيارة استقطاب القادة الشباب من مسلمي أوروبا، وهؤلاء من تخشى واشنطن أن يستقطبهم خطاب العنف والتطرف الاسلامي، واما الأثر الذي تركته الزيارة في نفوس الثلاثة المشاركين فهو تخفيف حدة آرائهم عن أميركا التي تواجه بالكثير من مشاعر انعدام الثقة من قبل القطاع الأوسع من مجتمعاتهم المسلمة التي ينحدرون منها، قال زاهي البالغ من العمر 32 عاما: «يعتقد الكثيرون أن أميركا تشن حربا على المسلمين» واضاف «أقول لهم اليوم ان أميركا دولة ذات وجوه وأشكال متعددة، ففيها مرشح أسود للرئاسة، وبها جالية مسلمة كبيرة وشديدة الثقة بنفسها، كما أقول لهم ان الشعب الأميركي شعب كريم ومضياف».
غير أن الزيارة نفسها والبرنامج المنظم لها قد تعرضا لانتقادات عنيفة من قبل الوسط الصحافي الاعلامي الفرنسي، فهناك من وصف الشباب المشاركين في البرنامج بأنه تم تضليلهم واغواؤهم بواسطة برنامج خبــــيث قصد منه التجسس على الجاليات المسلمة المهاجرة في أوروبا، يذكر أن «برنامج الزائر الدولي» كان قد أطلقته وزارة الخارجية الأميركية منذ عقد الثلاثينيات في القرن الماضي، ومن أبرز المشاركين فيه سابقا، الرئيس الفرنسي الحالي «نيكولا ساركوزي»، ورئيس الوزراء البريطاني «غوردون براون».
وعقب هجمات 11 سبتمبر التي تكشف فيها أن المشاركين في تدبيرها وتنفيذها هم من شباب المسلمين القادمين من هامبورغ في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، جعلت وزارة الخارجية الأميركية من الوصول الى قادة المسلمين المهاجرين الشباب هدفا رئيسيا لها عبر البرنامج المذكور، ذلــك ما أكده جيمس ال.
بولوك مدير العلاقات العامة بالسفارة الأميركية في باريس، وفي الاطار نفسه أصبحت فرنسا تحظى باهتمام خاص بالبرنامج، بالنظر الى كبر حجم الجالية المسلمة المهاجرة فيها، لا سيما أنها تعد الجالية المسلمة الكبرى في أوروبا كلها، حيث يقدر عدد أفرادها بحوالي خمسة ملايين نسمة، ليس ذلك فحسب، بل انها الجالية التي تسيطر على أفرادها مشاعر الاحباط والغضب التي أشعلت نيران أحداث عام 2005 الشهيرة، ويتم اختيار ما بين 25 و 30 مواطنا فرنسيا سنويا لزيارة الولايات المتحدة الأميركية على نفقة البرنامج الدولي المذكور، ومنذ عام 2005 شارك نحو 10 مسلمين فرنسيين في هذه الزيارات، وأوضح بولوك أن عدد المسلمين المشاركين في البرنامج قد ارتفع كثيرا قياسا الى السنوات الماضية، ويفسر هذا بتزايد الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لاجتذاب أعداد كبيرة من الأقليات الأجنبية ودعوتهم اليها.
والى جانب قطع الطريق أمام المتطرفين الاسلاميين لاجتذاب هؤلاء الى صفوفهم، فان القصد من زيادة مشاركة عدد المسلمين في البرنامج هو اتاحة الفرصة لبعض المواطنين الأميركيين للتعارف مع من وصفهم بالقادة الذين يحركون أوروبا الآن ويهزون أركانها.
والى جانب هذه الجهود، تسعى الولايات المتحدة للوصول الى الضواحي الفرنسية التي يتكثف فيها وجود أفراد الجالية المسلمة، عن طريق تخصيص المنح الثقافية لبعض مجتمعاتها، من بين هذه الجهود أشار بولوك الى توفير السفارة الأميركية في باريس منحا مالية تراوحت قيمتها بين ألف وخمسة آلاف دولار، خصصت لمكافأة المواهب الصحافية الشابة في الضواحي المعنية.
غير أن هذه الـــجهود المـــحدودة التي تبذلها الولايات المتـــــحدة في الضواحي المذكورة، أثارت انتقادات الصحافة الفرنســـية، التي وصـــفت احـــداها برنامج الزائـــــر الدولي والمـــنح الثقافيــــة لأفراد الجــــالية في عنوان رئيسي لها بـــــقولها: «ســـي آي ايه في ضــــواحي باريــــس»، وبالمــــثل حــــذرت مجلة «ماريان» اليسارية من مغــــبة «اختــــطاف أمـــيركي» للجاليتين العربية والأفريقية في فرنسا.
وقد شعر علي زاهي بردة الفعل الصحافية هذه ازاء زيارته الى الولايات المتحدة، التي شملت كلا من ولايات تكساس وأركنساس وأوريغون وواشنطن دي سي ونيويورك، وكانت صحيفة «لو باريزيان» قد نشرت عنه مقالا انتقاديا جاء مقابلا لمقال آخر يزعم أن وكالة «سي آي ايه» تنشط في تجنيد أفراد من الضواحي الفرنسية، بينما نشر في صفحة أخرى منها رسم كاريكاتيري يسخر من علاقة المسلمين بأميركا.
وقال «زاهي» ان عددا ممن حوله بدأوا يتعاملون معه على أنه «جاسوس أميركي»، غير أن ثلاثتهم يعتقدون أن ردة الفعل الصحافية الفرنسية الحادة هذه ربما كان مصدرها عدم تصور الفرنسيين امكانية بروز قادة مستقبليين من ضواحي الفقر والبطالة المحيطة بالعاصمة باريس.
عن «نيويورك تايمز»
صفحة قضايا في ملف ( pdf )