يبدو ان الحرب الضروس التي تشنها اسرائيل بعدتها وعتادها على غزة منذ 11 يوما، بدأت تأخذ مناحي جديدة مع اعتراف الجيش الاسرائيلي بمقتل خمسة من جنوده ومع بدئه مرحلة «حرب الشوارع» وان بخطوات محسوبة وحذرة.
ولأول مرة منذ انطلاق العدوان الاسرائيلي على غزة اعترف الجيش الإسرائيلي امس بمقتل ثلاثة من جنوده وإصابة 24 آخرين بجروح متفاوتة في قطاع غزة الليلة قبل الماضية.
وزعم بحسب بيان أن الجنود القتلى والجرحى سقطوا جراء إصابتهم بـ«نيران صديقة» وبسبب انفجار قذيفة دبابة إسرائيلية عن طريق الخطأ.
إلا ان «كتائب القسام» الذراع المسلحة لحركة حماس أعلنت في وقت سابق من غزة أنها «استدرجت» قوة إسرائيلية إلى منزل ملغم بالمتفجرات وقامت بتفجيره بعد دخول تلك «القوة الكبيرة» ما أدى إلى مقتل عشرة جنود إسرائيليين وقالت «القسام» في بيان عاجل لها «إن مقاتليها تمكنوا ليلا من استدراج وحدة من جنود القوات الخاصة الصهيونية الراجلة إلى منزل ملغم في المنطقة الشمالية من القطاع وعمدوا إلى تفجير المنزل واستهداف من بداخله من قوات خاصة بالقذائف والرصاص من النوع الثقيل»، مشيرة إلى أنها ستعلن عن تفاصيل هذه العملية الخاصة لاحقا.
ونقلت قناة العربية عن مصادرها ان قتلى العملية بلغوا 4 اسرائيليين بينهم ضابط، في حين كشفت اذاعة «صوت إسرائيل» عن اصابة جندى آخر بجروح بالغة الخطورة و3 جنود بجروح خطيرة و28 جنديا آخر بجروح وصفت بأنها ما بين متوسطة وطفيفة.
وأكدت أن قائد لواء النخبة «جولانى» للمشاة الكولونيل آفى بيلد أصيب هو الآخر بجروح في العملية ولكنه رفض الكشف عن المكان قبل انتهاء عملية نقل الجرحى الى المستشفيات.
من جانب آخر ورغم القصف الاسرائيلي المكثف، أعلنت «القسام» أن مقاتليها واصلوا امس عمليات إطلاق الصواريخ باتجاه جنوب إسرائيل.
وقالت الكتائب في بيان صحافي إن مقاتليها استهدفوا بلدة مفتاحيم بأربعة صواريخ من نوع «قسام» مضيفة أن إطلاقها يأتي في إطار الرد على التصعيد الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
كما عرضت «كتائب القسام» صورا متلفزة لأجزاء من طائرة استطلاع قالت إنها تمكنت من إسقاطها أمس الاول عندما كانت تحلق في سماء رفح جنوب قطاع غزة.
قصف عشوائي
وردا على العملية كثفت اسرائيل من غاراتها وقصفها العشوائي منذ الليلة قبل الماضية وطوال امس حيث اعلنت مصادر طبية فلسطينية ان اكثر من 35 فلسطينيا استشهدوا الليلة قبل الماضية وفجر امس.
ونقلت محطات اذاعة محلية في غزة عن هذه المصادر تأكيدها سقوط عشرات الجرحى في هذه الغارات التي أطلقتها طائرات وبوارج ودبابات الاحتلال على منازل ومؤسسات وجمعيات وحتى سيارات اسعاف خلال الليلة الماضية.
وحسب هذه المصادر فقد استهدفت طائرات الحرب الاسرائيلية بصواريخها نحو 20 منزلا في مناطق مختلفة من القطاع وسوتها بالأرض موقعة عددا كبيرا من الشهداء والجرحى.
واستهدفت احدى هذه الغارات عمارة سكنية في حي الزيتون بمدينة غزة التي ضربها صاروخ اطلقته طائرة «اف 16» وسوت هذه العمارة المكونة من اربعة طوابق بالأرض.
واكدت المصادر ان نحو 30 مواطنا كانوا يقطنون في هذه العمارة التي تملكها عائلة الداية وتكمن المسعفون من انتشال جثامين 13 شهيدا من العائلة بينهم الزوج والزوجة وابناؤهم وعدد من احفادهم فيما افاد المسعفون ببقاء عدد من الشهداء والجرحى في المبنى لصعوبة الوصول اليهم.
وفي مخيم جباليا أغارت طائرات الحرب الاسرائيلية على نحو عشرة منازل ودمرتها الأمر الذي اوقع الكثير من المصابين والجرحى.
واضطر الآلاف من المواطنين من سكان جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون الى اللجوء الى مدراس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الانروا) وسط مدينة غزة.
واعلنت مصادر في «الانروا» ان مدارس عدة فتحت من اجل السماح لهؤلاء الذي طالتهم نيران وصواريخ الاحتلال لاسيما في شمال قطاع غزة بالاحتماء لكن آمالهم ذهبت ادراج الرياح مع استهداف غارة اسرائيلية اثنتين من هذه المدارس واوقعت خمسة شهداء وعدد من الجرحى.
ولاحقا قالت مصادر طبية في مستشفيين ان نيران دبابات اسرائيلية قتلت ما يصل الى 42 فلسطينيا في مدرسة تابعة للأمم المتحدة بجباليا في قطاع غزة.
وانفجرت قذيفتا دبابة خارج المدرسة وأمطرتا الناس في داخل مبنى مدرسة الفاخورة وخارجه بالشظايا مما ادى الى جرح 50 شخصا على الأقل، ليرتفع اجمالي عدد الشهداء الى اكثر من 630 منذ بدء العملية وعدد الجرحى الى ما يفوق «3000 بينهم المئات في حالة خطرة او حرجة».
وخلال الليلة قبل الماضية استشهد 13 مواطنا فلسطينيا في عمليات قصف وغارات جوية نفذها طيران الحرب الاسرائيلية في مخيمي البريج ودير البلح وسط قطاع غزة.
وسقط عدد من هؤلاء الشهداء في قصف مدفعي استهدف دوار ابو رصاص وسط مخيم البريج الامر الذي اوقع نحو 20 من سكانه بين شهيد وجريح.
كما استشهد اكثر من خمسة فلسطينيين واصيب الكثيرون بجراح في قصف نفذته زوارق الحرب الاسرائيلية التي اطلقت قذائفها نحو منازل مخيم دير البلح.
حرب شوارع
وجاءت هذه التطورات مع اطلاق الجيش الاسرائيلي وان بخطوات محسوبة وحذرة مرحلة «حرب الشوارع» فبقيت الدبابات متمركزة ثلاثة ايام في محيط مخيمات اللاجئين فيما جابت دوريات مشارف مدينة غزة قبل التوغل فيها.
وكان من المحتوم بنظر العديد من الخبراء انتقال المواجهة الى اشتباكات على ارض المعركة في قطاع غزة.
وكتب اليكس فيشمان المراسل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت «انها المرحلة الاكثر صعوبة وخطورة من الهجوم: السيطرة على مناطق ذات كثافة سكانية عالية».
وحذر من ان «ما ينتظرنا هناك هو منازل مفخخة وقنابل بشرية كامنة وصواريخ مضادة للدبابات وقناصة. المعارك الاكثر قسوة مازالت امامنا».
واسوأ ما يمكن ان يحصل بنظره هو اسر جندي اسرائيلي يضاف الى الجندي جلعاد شاليط الذي خطف في 25 يونيو 2006 عند تخوم قطاع غزة.
وقال الخبير العسكري افرائيم كام «الآن وقد دخلنا الى غزة، علينا ان نحرص على عدم البقاء في المدينة لفترة طويلة.
فهناك يمكن ان تتعثر خطة وزير الدفاع ايهود باراك المحكمة».
وفيما يبدو تراجعا عن الوعود الاسرائيلية بالقضاء على حماس قبل وقف العدوان، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت شرطين لوقف الحرب في قطاع غزة وهما وقف إطلاق الصواريخ من القطاع باتجاه جنوب إسرائيل ووقف تهريب أسلحة إلى القطاع، كما وجه تهديدا مبطنا لحزب الله إذا ما حاول تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن أولمرت قوله امس إنه «في حال توافر شرطان أساسيان فسنوقف إطلاق النار الأول هو وقف تهريب الأسلحة من سيناء إلى غزة من خلال ترتيبات فعلية وليس بالكلام وتؤدي إلى منع نقل صواريخ من سيناء إلى غزة».
وأضاف إلى ذلك «الشرط الثاني وهو توقف كافة الأعمال الإرهابية وليس إطلاق الصواريخ فقط وعندما يتوقف ذلك سيتوقف القتال الإسرائيلية وهذه أقوال بسيطة وواضحة يفهمها كل واحد».
تغطية خاصة في ملف ( pdf )