Note: English translation is not 100% accurate
موجة اكتئاب تجتاح اللبنانيين مرتبطة بمرحلة ما بعد الحرب
السبت
2006/11/18
المصدر : الانباء
بيروت ــ كلود أبوشقرا
يكفي المرء ان يتجول في شوارع بيروت أو في أي منطقة من لبنان ليلاحظ ان أعراض الوجوم والإحباط والاكتئاب هي القاسم المشترك الذي يبدو على كل الوجوه. فحرب يوليو التي فاجأت اللبنانيين في عزّ انتظارهم لموسم الصيف واستعدادهم لاستقبال السياح العرب والأجانب، وحولت أيامهم ولياليهم الى كابوس لاتزال آثارها تقض مضاجعهم وتثير في نفوسهم الخوف من تجددها والتساؤل حول المستقبل والمصير.
الاكتئاب في حد ذاته، ظاهرة ملازمة للوجود الانساني، بمعنى انه لا يقتصر على حضارة أو ثقافة معينة وبالتالي هو ليس وليد التكنولوجيا أو التعقيدات، عرفته كل الأزمنة والحضارات، حتى في أيام اليونان تكلم أبوقراط عن نوع من أنواع الاكتئاب الذي يعرف بالسويداء.
«نحن في لبنان، نعاني من صدمة قوية هي صدمة الحرب» هذا ما يقوله عالم النفس واخصائي التحليل النفسي د.هشام بزي، ويوضح ان هناك حدثا غير متوقع حصل دون سابق إنذار، هو حرب يوليو التي ضربت بعنف البنى التحتية ودمرت المنازل وقتلت وشردت الآلاف، ما أدى الى حصول خسائر فادحة طالت اللبنانيين جميعا وعملت على سقوط ضحايا كثيرين.
يشير بزي الى ان الجهاز النفسي لدى الفرد في لبنان أو لدى الجماعة لم يكن مهيئا لتلقي هذه الضربة الموجعة، «بمعنى ان الخوف او ردة الفعل في أثناء حصول الحدث كبت ليعود فيظهر بأشكال مختلفة واعراض مختلفة، لا يربطها صاحب العلاقة بالمعاناة التي حصلت في أثناء الحرب».
هنالك قضايا نفسية كثيرة تفجرت وتحتاج الى معالجة والى اعادة بناء الشخصية، لاسيما الاضطراب في علاقة الجماعة مع الزمان والمكان. «يحتاج الأمر الى مراحل عديدة لإعادة الصلة بما تهدم، أي ان يأخذ الحدث مكانه في السلسلة الرمزية داخل الذهن، واذا لم يتم هذا الأمر، فنحن أمام أعراض عديدة، ليس أقلها الكوابيس في الليل، اضطرابات في النوم، صعوبة التكيف من جديد مع الواقع، اضطرابات جسدية، أمراض، اضطرابات سلوكية، عدم القدرة على التركيز وعلى الانتباه والذهول..». يؤكد بزي ان هذه الأعراض تظهر بعد انتهاء الحرب، ويسمي هذه المرحلة ما بعد الصدمة، ولكن السؤال الذي يتبادر الى الأذهان هو الى اين سيذهب كل الرعب وكل الانفعالات التي عاشها المواطن اللبناني في أثناء الحرب، اضافة الى الخوف على حياته وعلى حياة عائلته وعلى مستقبلها؟ يكفي مراقبة طريقة تصرفه في الشارع في السوبر ماركت، في العمل، في أي مكان يقصده، لنتبين مدى سيطرة القلق والتوتر على حديثه، على علاقاته مع الآخرين، على نظراته نحو البعيد المجهول.
فالطفل، بسبب عدم اكتمال نموه من جهة، والمناظر والأحداث التي عاشها، تأثرت بنيته النفسية بشكل قوي، وهو في حاجة ماسة الى الاخصائيين النفسيين كي يستطيع ان يتجاوز هذه المرحلة الصعبة ويبدأ مرحلة جديدة. لكن الأمر في نظر بزي يبقى مرهونا بالعمل الجاد والسريع على ازالة آثار الحرب والعدوان، والعمل على الانطلاق من جديد، والسماح للجماعة، إذا جاز التعبير، أو لأبناء الوطن بممارسة الحداد على الخسارة التي وقعت، «لا يمكن ممارسة الحداد والقتل مستمر في الجنوب عن طريق القنابل العنقودية، نحن أمام مسلسل موت لا ينتهي».
تلعب أجواء الاشاعات المنتشرة في لبنان اليوم، والتي تحدد مواعيد لمعاودة العدوان الاسرائيلي، أو لبروز أزمات سياسية أمنية، لاسيما اخبار لوائح جديدة للاغتيالات السياسية، الدور الأبرز والأخطر في اثارة الخوف والقلق وتأجيل المشاريع الاقتصادية والنشاطات الثقافية التي تعطي الدفع للحياة وتحرك عجلة الانتاج، وبالتالي هناك حالة من الترقب والانتظار لما قد يحصل من فواجع في المستقبل القريب. هنا، في هذه الحال، يبرز دور الجميع في خلق الأجواء المواتية والهادئة لتجاوز هذه المحنة».
ويشير بزي في هذا المجال الى ان هناك اعتقادا شائعا لدى اللبنانيين وهو ان قدر هذا الوطن ان يشهد حربا كل بضعة أعوام، وان تكرار الصدمات على مدى الأعوام الماضية قد يخفف من وطأة الصدمة الجديدة. ويعلق: «هذا رأي مغلوط، فكل صدمة جديدة توقظ جراحات الماضي وعذاباته ومشاكله، وتجعل البنية النفسية أقل مناعة، ولكن، في حال تم تجاوز الماضي وصداماته بشكل سليم، فانه يمكن التعامل مع الصدمة الجديدة بشكل أقوى وافضل، وللأسف لم يحصل هذا الأمر في لبنان».
ويؤكد بزي ان هناك بعض الأشخاص لديهم الاستعداد المرضي الكامل، فأدت صدمة الحرب الى تفجير هذا الاستعداد، وبدأت الأعراض والأفكار القلقة والغريبة في البروز من دون ان يدري صاحب العلاقة من أين أتت وما هو مصدرها.
يتبع...
اقرأ أيضاً