دعا صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد العرب الى الوقوف وقفة جادة ومخلصة «نتلمس» من خلالها مواطن الضعف والاختلال في العمل العربي المشترك والأسباب التي تقف وراء تراجعه وما أدى إليه «من تعطيل لكل فرص المعالجات السليمة» والقدرة على النهوض بأوضاع الأمة.
وقال صاحب السمو في كلمته خلال افتتاح القمة العربية في الدوحة أمس ان الخلاف العربي الذي أدى «الى استفحال روح الفرقة بدلا من الوحدة والتضامن واسهم في تعطيل مسيرة التنمية في وطننا العربي وبات معه موقفنا العربي يعاني من الضعف والهوان في مواجهة مخاطر إقليمية ودولية تحيط بنا».
وفيما يلي نص كلمة صاحب السمو: «أود في البداية ان أتقدم بالشكر والتقدير لدولة قطر قيادة وشعبا لاستضافتها هذه القمة وان أشيد بالجهود الكبيرة والمخلصة التي بذلها ويبذلها أخونا صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لتوفير كافة السبل لإنجاح هذه القمة.
كما أتوجه أيضا بالشكر والتقدير لفخامة الاخ الرئيس بشار الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية الشقيقة على ما بذله من جهود مخلصة وبناءة أثناء ترؤسه لأعمال القمة السابقة.
يعقد اجتماعنا هذا على أرض دولة قطر الشقيقة لنتدارس أوضاع امتنا العربية وما آلت إليه نتيجة تفاقم وتنامي الخلافات السياسية في ظل ظروف صعبة ودقيقة نمر بها جميعا تفرض علينا الوقوف وقفة جادة ومخلصة نتلمس من خلالها مواطن الضعف والاختلال في عملنا العربي المشترك والأسباب التي تقف وراء تراجع ذلك العمل وما أدى إليه من تعطيل لكل فرص المعالجات السليمة وقدرتنا على النهوض بأوضاع أمتنا الى ما نصبوا إليه من تقدم ورقي ووحدة في الصف العربي وهو الأمر الذي أدى الى استفحال روح الفرقة بدلا من الوحدة والتضامن واسهم في تعطيل مسيرة التنمية في وطننا العربي وبات معه موقفنا العربي يعاني من الضعف والهوان في مواجهة مخاطر إقليمية ودولية تحيط بنا.
ولنا أن نتساءل عن ماهية خلافاتنا العربية؟ هل هي على السيادة أم خلاف في الرأي؟ لاشك انه خلاف في الرأي وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ندخل شعوبنا العربية في هذه الخلافات بين الأنظمة؟ ولماذا لا ننأى بها عنها؟
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: إننا مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى ان نمضي قدما ونواصل دعم الجهود المخلصة والبناءة لتحقيق الانفراج في أجواء علاقاتنا العربية وان نلقي وراء ظهورنا هذه التوترات والخلافات السياسية التي أثرت على قضايانا وفي مقدمتها قضيتنا الفلسطينية التي مضى عليها أكثر من 60 عاما دون ان تحل لعدم وجود موقف عربي وفلسطيني موحد تجاهها.
ان علينا ان نضع الأسس الواقعية والمنطقية التي يمكن البناء عليها لعلاقات عربية تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة.
ولعل ما بدأناه في القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي احتضنتها الكويت يمثل أساسا صالحا لتلك الجهود من خلال المبادرة الخيرة التي أطلقها أخونا خادم الحرمين الشريفين خلال تلك القمة ومتابعته الحثيثة لها في القمة المصغرة التي احتضنتها الرياض، مستذكرين خطابه التاريخي في هذه القمة العربية الاقتصادية ومثمنين ما تضمنه من تأكيد على ان خلافاتنا السياسية أدت الى فرقتنا وانقسامنا وشتات أمرنا وكانت عونا للعدو الاسرائيلي ولكل من يريد شق الصف العربي وتأكيده أيضا على اننا قادة الأمة العربية مسؤولون جميعا عن هذا الوهن الذي أصاب موقفنا ودعوته الى السمو عن خلافاتنا حتى لا يتمكن منا اليأس.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: ان الخطوات الجادة التي سوف نحققها في سعينا للوصول لأجواء مصالحة عربية صادقة ستحقق لنا التضامن المنشود والوحدة في الموقف العربي حيال التحديات المتزايدة على المستويين الاقليمي والدولي، كما ستوفر لنا المناخ المطلوب لتحقيق معدلات تنموية عالية تلبي متطلبات العصر في الارتقاء بمستوى المعيشة للمواطن العربي كما وسوف تسهم في إعطاء العالم من حولنا صورة مشرقة لتلاحمنا ووحدتنا وقدرتنا على مواجهة كافة التحديات.
ان التركيز على نقاط الخلاف في رؤانا ومواقفنا تجاه المشاكل السياسية أدى الى استنزاف معظم طاقاتنا العربية وحجب آفاق التعاون العربي المشترك الأخرى مما استوجب معه تجاوز هذا الواقع المؤسف والتركيز على مجالات التعاون الاقتصادي المشترك لتقديم مشاريع بناءة على اقل تقدير لتحقيق ما يصبو إليه المواطن العربي من تقدم ورقي وهو ما أوحى بفكرة القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي احتضنتها الكويت.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: لقد كانت مشاركتكم وإسهاماتكم في القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي احتضنها بلدكم الكويت مؤخر والتي ألقت أحداث غزة بظلالها وفرضت واقعا عليها اكبر الأثر في تحقيق النتائج الايجابية التي توصلنا إليها حيث عكست الرغبة الصادقة لدى الأشقاء في نهج جديد لعملنا العربي المشترك ينطلق من إعطاء الأولوية والتركيز على المعطيات الاقتصادية لمسيرة هذا العمل وتحقيق غاياته.
لقد خرجت قمة الكويت الاقتصادية بقرارات هامة على صعيد الارتقاء بمستوى معيشة المواطن العربي وإعطاء الأولوية للاستثمارات العربية المشتركة وإفساح المجال للمزيد من الفرص للقطاع الخاص والمجتمع المدني وتدعيم قطاعات الإنتاج والتجارة والخدمات والمشروعات الاجتماعية مما يسهم في دعم مساعينا لتلبية احتياجات المواطن العربي ويعزز جهودنا في محاولتنا الخروج مما نواجهه اليوم من أزمة مالية عالمية طاحنه لم تستثن احدا.
ونغتنم هذه الفرصة للإشارة الى المبادرة التي تم إطلاقها خلال القمة والخاصة بتمويل ودعم مشاريع القطاع الخاص والأعمال الصغيرة والمتوسطة في الوطن العربي برأسمال قدره ملياري دولار ومساهمة الكويت بمبلغ 500 مليون دولار في رأس المال لتفعيل انطلاقة هذه المبادرة التنموية.
ولقد أحلنا هذه المبادرة لكافة الدول الشقيقة للانطلاق بها مجددا الدعوة إلى دعم هذه المبادرة والمساهمة في تمويلها ومعربا عن شكرنا لاعلان كل من جمهورية جيبوتي وجمهورية موريتانيا الاسلامية المساهمة بهذه المبادرة.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: ان مما يدعو الى الاسف ان نرى الاشقاء الفلسطينيين وقد انهكتهم الخلافات واثقل كاهلهم التطاحن مما انعكس سلبا على واقعنا العربي واضعف موقفنا السياسي غير ان ما يدعو الى الامل والتفاؤل في نفس الوقت ان نرى مساعي جادة ومخلصة لطي صفحة تلك الخلافات ايمانا من الاشقاء الذين يسعون الى التسامي فوق جراحهم وتغليب المصالحة على الخصومة وصولا الى وحدة الصف الفلسطيني وارسال رسالة للعالم اجمع انهم استطاعوا ان يغلبوا الحكمة والعقل في مواجهة كافة العقبات.
اننا نتابع باهتمام بالغ الجهود والمساعي الخيرة التي تبذلها الشقيقة الكبرى مصر العروبة بقيادة اخينا فخامة الرئيس محمد حسني مبارك الذي ينهض بدور تاريخي دؤوب لتحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني انطلاقا من مسؤولياته القومية وادراكا من فخامته لحجم التحدي الذي يواجه امتنا والمخاطر التي تهدد مصير اشقائنا الفلسطينيين.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: ان ما قامت به اسرائيل مؤخرا من عدوان صارخ استهدف قطاع غزة المحتل وما جرى خلاله من قتل للابرياء وتدمير للممتلكات والمؤسسات وانتهاك للمواثيق والعهود الدولية يوجب على المجتمع الدولي المبادرة بممارسة مسؤولياته التاريخية لوضع حد لهذه الممارسات بالتحرك لدفع كافة الجهود لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة الذي لن يتأتى الا من خلال الالتزام بقرارات الشرعية الدولية على أساس المبادرة العربية للسلام وانهاء الاحتلال الاسرائيلي لجميع الاراضي العربية التي احتلتها عام 1967م.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: اننا نتابع باهتمام تطورات الاوضاع في العراق والتي شهدت تقدما ملحوظا في الآونة الاخيرة على صعيد الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي ونهنئ العراق الشقيق حكومة وشعبا على نجاح انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في يناير الماضي.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: اننا نتابع باهتمام وقلق تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار امر توقيف في حق فخامة الاخ الرئيس عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان الشقيقة ونرى أن هذا القرار لايخدم الجهود العربية والافريقية لحل مسألة دارفور وندعو مجلس الامن ووفقا لصلاحياته المعروفة الى تأجيل الاجراءات المتخذة من قبل هذه المحكمة لاعطاء فرصة لجهود السلام لتحقيق نتائجها المرجوة وندعو الاخوة في السودان الشقيق لسد أية ثغرات في الجهود الانسانية الهادفة اغاثة من يواجهون اوضاعا انسانية صعبة في دارفور.
كما نبارك لفخامة الرئيس الاخ الشيخ شريف احمد تولي منصب الرئاسة في جمهورية الصومال الديموقراطية الشقيقة، متمنين أن تمثل فترة ولايته بداية مرحلة جديدة لعودة الصومال عضوا فاعلا في المجموعة العربية والمجتمع الدولي.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: وفي الاطار الاقليمي فإننا ندعو جمهورية ايران الاسلامية إلى الاستجابة لمساعي دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة لحل قضية الجزر الاماراتية عن طريق المفاوضات المباشرة او اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. كما نؤكد مرة اخرى على اهمية العمل على جعل منطقة الشرق الاوسط خالية من كل اسلحة الدمار الشامل بما فيها الاسلحة النووية وضرورة انضمام اسرائيل الى معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية واخضاع كافة منشآتها لنظام التفتيش الدولي التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية مع التأكيد على حق هذه الدول في الحصول على تكنولوجيا الطاقة الذرية للاستخدامات السلمية وندعو الجمهورية الاسلامية الايرانية الصديقة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الرئيسية المعنية بالملف النووي الايراني الاستمرار بالحوار الجاد والبناء للوصول الى حل يكفل ويحقق ازالة التوتر والشكوك التي لاتزال تحيط بهذا الموضوع.
كما نواصل التاكيد على دعمنا المطلق لكافة الجهود المبذولة لمكافحة الارهاب بجميع اشكاله وصوره الذي يستهدف الاضرار باستقرار ونماء الشعوب وندعو المجتمع الدولي الى مضاعفة جهوده لمواجهة الاعمال الارهابية والتي تستهدف العالم اجمع.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو: في الختام لا يسعنا الا ان نكرر امتناننا لدولة قطر الشقيقة على ما احاطتنا به من عناية وكرم ضيافة، متمنين لها كل التقدم والرخاء تحت القيادة الحكيمة لاخينا صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني داعين المولى العزيز أن يحيط جهود سموه برعايته وعنايته.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )